نقوشٌ على جدار واسعٍ

السبت، 21 سبتمبر 2013

وداعا أيتها العنصرية..!!!





التفرقة العنصرية أو (Apartheid) .. كان يتردد هذا المصطلح كثيرا الى مسامعي خلال فترة منتصف الثمانينيات، وهي فترة دراستي بالمملكة المتحدة وأيضا عندما  بدأ العالم أجمع يطالب النظام العنصري الحاكم في جنوب أفريقيا بتغيير سياستها والإفراج عن المناضل والسجين السياسي الشهير "نيلسون مانديلا" الذي دفع هو وزملاءه ثمنا باهضا من خلال مقاومتهم لجبروت النظام العنصري الحاكم حينذاك والنضال من أجل نيل الحرية لأبناء جلدتهم. ومما لاشك فيه  بأن للتفرقة العنصرية وجوه عديدة منها التفرقة العنصرية المرتبطة بالمعتقدات الدينية كإبادة هتلر لليهود ، وقتل وتجويع مسلمي البوسنة والهرسك في يوغسلافيا السابقة وإبادة مسلمي الروهينجا في ميانمار. وهناك التفرقة العنصرية لأسباب سياسية والاستعمار كإقامة دولة إسرائيل في فلسطين، وقضية "تيبت" الشهيرة في الصين ، وغزو العراق للكويت الذي أدى الى غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق وغيرها .

 لكن عندما يطرأ على مسامعنا مصطلح "التفرقة العنصرية" فالتفسير اللاإرادي له يكون التمييز العرقي بين أكثر الألوان جاذبية في الكون هما اللونان الأبيض والأسود. رغم انه عندما يمتزجان هذان اللونان فهما يشكلان ثنائيا كلاسيكيا رائعا كمقطع من موسيقى موزارت وهما المفضلان بلا منازع لدى أكبر مصممي الأزياء في العالم وهو كذلك بالنسبة للجنسين فهما يعكسان الأناقة والوجاهة والذوق الرفيع.

لقد أوهمنا العالم في فترة العبودية بأن مقياس الجمال والإثارة لدى المرأة هي البشرة البيضاء والشعر الأشقر والعينان الزرقاء لوجه يتسم بالشفاه الرقيقة الناعمة بينما الواقع المرير أجبر الرجل الأبيض بأن يخرج خلسة إلى فراش المرأة السوداء الذي اكتشف سرها ووجد ضالته ومتعته الجسدية الذي طالما أقلق منامه. فجاءت حقبة التسعينيات عندما فجر خبراء الجمال والتجميل حول العالم قنبلة مدوية وذلك عندما أعلنت الحقيقة على الملأ الحقيقة التي تم إنكارها عبر الأجيال وهي أن لكل بشرة جاذبيتها الخاصة بها ولكل لون جماله الخاص به. وأكد هذا التوجه عبر تقديم للعالم عارضات أزياء ذات البشرة السوداء وملامح أفريقية بحتة ، ولقبت بعضهن بالموديلات "السوبر" مثل عارضة الأزياء نعومي كمبل وإيمان. وبهذه الخطوة اعترف العالم الغربي علنا بالجمال الأسود الطبيعي الخالي من التشوهات والتكلف. كما طرحت في الأسواق العالمية العديد من مستحضرات التجميل ومنتجات ذات ماركات عالمية خاصة بالمحافظة على الجمال الأسمر ، وبالتالي أصبح شبه مؤكدا بأن معايير الجمال للمرأة قد تغيرت وللأبد. فقد أصبحت المؤخرة الدائرية والصدر الممتلئ والشفاه الغليظة هي أعلى درجات مقاييس الجمال لدى النساء كافة بعد أن كانت أسوأها ، وفجأة وبدون سابق إنذار أصبح أخصائي التجميل بدول العالم هم أسعد الناس حظا! وتم ابتكار مادة السيليكون في عمليات التجميل لتكبير الصدور والمؤخرة وجميع المقاطع الحساسة الأخرى للمرأة! وأصيبت النساء ذوات البشرة البيضاء بنوع من الهوس الشديد و تم إجبارنا على مراقبة شفاههن المتخمة بمادة السيليكون وكأنها على وشك الوقوع! وأحيانا كثيرة تأتي النتائج بشكل سلبي وغير مستحب للناظر. حيث تجد ان هذه الشفاه الغليظة لا تتناسب إطلاقا مع ملامح وجوههن التي تتصف بالطبيعة الناعمة ، لكن باسم الشباب و الجمال .. من يستطع  اقناع المرأة بأن تضع حدا لهذا الهوس المبالغ فيه!

كما ظهر خلال نفس تلك الفترة تمردا واضحا ومعلنا من قبل العديد من المشاهير سواء من الفنانين أو الرياضيين وغيرهم، الرجال منهم والنساء منذ ذوي  البشرة البيضاء.  وربما عكس تمردهم ذلك رفضهم ونفورهم بسبب الوجبات الدسمة من التمييز العنصري التي قدمت لهم عبر السنين والممارسات السلبية لها التي لمست إنسانيتهم وبالتالي قرروا التجرد منها. والأمثلة على ذلك التمرد كثيرة :

صدم لاعب التنس العالمي الألماني "بوريس بيكر" صاحب البشرة الناصعة البياض والشعر الأشقر الذي يتصف بالسلالة المثالية لمعايير هتلر ، والذي  كان يعتبر أحد الرموز الرئيسية للرياضة في ألمانيا. كيف لا وهو كان أول وأصغر لاعب تنس ألماني يفوز ببطولة ويمبلدون المفتوحة للعبة التنس الأرضي عندما كان عمره لا يتجاوز السابعة عشر. صدم "بوريس بيكر" أبناء جلدته عندما اكتشفت الصحافة المحلية علاقته السرية بامرأة أمريكية سوداء! ولقد أثار هذا الخبر اشمئزاز الشعب الألماني الذي تمنى ان يكون الخبر مجرد إشاعة. لكن اللاعب الشهير أكد ما لم يرد سماعه الألمان من خلال مؤتمرا صحفيا الذي أعلن فيه صحة علاقته وعشقه لحبيبته عارضة الأزياء السوداء "باربرا فيلتس" كما أعلن رغبته في الزواج منها.

 وقصة اللاعب الشهير لم تنتهي هنا بل بعد سنوات من زواجهما و إنجابهما لولدين رفعت زوجته باربرا دعوى بالطلاق بعد أن علمت بخيانته لها مع نادلة سوداء أخرى باحدى المطاعم والتي أعلنت الأخيرة حملها منه ولاحقا أنجبت ابنة منه. كما ان علاقات بيكر العديدة مع النساء السود أفقدت النساء من ذوي البشرة البيضاء  وميض الأمل حتى من مجرد المحاولة معه.

موناكو .. وما أدراكم بأمير مقاطعة موناكو ، الأمير "ألبرت" الإبن الوحيد بين البنات والوريث على العرش. ارتبط اسم الأمير ألبرت بأجمل نساء العالم وكان كلما يظهر في مناسبة ما مع حسناء ما يتصدر صورهما الجرائد والمجلات ، وبالتالي يتنفس الشعب الفرنسي والموناكي الصعداء ، بينما يدغدغ أحاسيسهم رنين أصوات أجراس العرس الكنائسي وهم يتخيلون كيف سيكون شكل أبناءهما معا وشكل ولي العهد القادم.

 لما لا ؟ فأميرهم الوسيم يمتلك سمات الهيبة والوجاهة الملكي الذي اكتسبه من والده الأمير ( رينيه)  وفتنة وجمال والدته الأميرة الحسناء "جريس" الممثلة الأمريكية السابقة التي وافتها المنية وهي في عز شبابها اثر حادث سير أليم والذي حطم وفاتها قلب الأمير وتحطمت قلوب أهل موناكو وحسناواتها معه. 

لكن طال الانتظار..  ومن ثم طال الانتظار! والأمير الوسيم يظهر كل يوم مع حسناء مختلفة بدون الإعلان عن نيته ورغبته بالزواج من أي منهن! حتى توفى الأمير الوالد " رينيه" بدون أن يتحقق حلمه بتزويج ابنه والاطمئنان على استمرارية سلالته. وتوج "ألبرت" أميرا على ولاية موناكو ، وأصبح الأمير الأعزب صاحب الدم الأزرق حلم جميع حسناوات العالم ومصدر لقلق شديد من الشعب الموناكي الذي بدأ يظهر بوادر اليأس وفقدان الأمل من زواج أميرهم الأعزب فبدأت الإشاعات تتسرب هنا وهناك  باحتمال أن يكون أميرهم الأعزب شاذا ولا يستحب النساء.

لكن كان بانتظار أهل موناكو والمجتمع المخملي الأوروبي مفاجأة من العيار الثقيل! فقد أعلن أميرهم فجأة وبدون سابق إنذار علاقته بإمرأة سوداء وبكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، كما أن لديه ابن منها! كان وقع الصدمة شديدا للغاية ليس فقط على أهالي موناكو إنما للمجتمع الدولي أجمع. وأعلن الأميررينيه  بأنه قد ذاق ذرعا العيش في الخفاء والتكتم والسرية وانه قرر الاعتراف  رسميا بأبوته لإبنه الصغير من عشيقته السوداء. وتم نشر صور رسمية له مع ابنه وحبيبته السوداء معا. والصدمة لم تكتمل الى أن تم نشر صور عشيقته التي لم تكن تملك أدنى ذرة من الجمال مقارنة مع حسناوات العالم اللاتي كن برفقته! فالمرأة كانت شبه عادية وممتلئة وغير جذابة على الإطلاق! مما أصاب أهل موناكو والمتابعين بالذهول الشديد ، وانقسم الرأي العام ما بين المشمئز والرافض والمستاء من هذه العلاقة حتى تم الإقرار بعدم أحقية الابن بأن يكون وريثا للعهد.

المغني البريطاني الأسود المشهور Seal "سيل" ذو الأصول النيجيرية تزوج من "هايدي كلام" عارضة الأزياء الألمانية الأولى. و تتصف هايدي ببشرة شديدة البياض وشعر أشقر بينما المغني الشهير كان عكسها تماما! احيطت علاقتهما ثم  زواجهما بالكثير من المتابعة ولم يخلو أيضا من الصدمة لدى الألمان. لكن زواجهما لم يهتز بدليل انجابها لأربع أطفال دعاهما للهجرة والعيش في الولايات المتحدة الأمريكية عندما أعلن سيل رسميا بأنه سيهاجر من الولايات المتحدة الأمريكية في حال فاز "جون مكاين" في الإنتخابات الرئاسية ضد منافسه الأسود أوباما. أما زوجته هايدي فقد صرحت بأنها سعيدة جدا بحصولها مؤخرا على الجنسية الأمريكية وسوف تشارك في الإنتخابات لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية وانها بكل تأكيد سوف تقدم  صوتها لأوباما.

" Yes We Can"
الجملة الشهيرة والمؤثرة التي أطلقها أول رئيس أسود منتخب في الولايات المتحدة الأمريكية "أوباما" ..

ختاما .. لسنا نحن من ابتكر العنصرية ، ولسنا نحن من نشر التمييز والتفرقة ما بين الديانات والعرق والأجناس. واليوم لسنا نحن من يحاول إقناع العالم بأننا لسنا كذلك، هم من فعلوها ومن ثم يحاولون انكارها. فلم نتعب رؤوسنا بإيجاد موقف لنا لممارساتهم المتناقضة!  لِم لا ندعهم يتخبطون ، نحن على يقين بأن جاذبية اللون الأسود الطاغي ليس له مثيل ، لم لا ندعهم يتخبطون!

حبيبة الهنائي
22 من ابريل 2009  


هناك 4 تعليقات:

  1. حَبيبة في ناس لسّه عايشة في عُقدها
    وهِي آفة لا ترفعه شعرة إلى مَقامٍ أفضل
    جَميلٌ جدًّا.. بُوركتِ

    ردحذف
  2. رائعــة ُ بحق ..
    ولكن جميع يعلم عن تخلصت المجتمعات الغربية من العنصرية و التعصب العرقي إلا أن العرب لا زالوا يعانون منها .... مجردُ أطلال لها في الغرب وقصور لها في الشرق

    ردحذف
  3. استاذة مجمعنا يعاني من عنصرية القبيلة و التفريق على اساسها اكثر من التفريق العنصري المبني على لون البشرة .. مقال جميل

    ردحذف
  4. استاذة مجمعنا يعاني من عنصرية القبيلة و التفريق على اساسها اكثر من التفريق العنصري المبني على لون البشرة .. مقال جميل

    ردحذف