نقوشٌ على جدار واسعٍ

الثلاثاء، 1 أكتوبر 2013

أنا وصديقي الموت !!



يشدني كثيرا مسلسل أمريكي يدعى “The Ghost Whisperer” أو “همس الأشباح” الذي تدور أحداثه حول سيدة أمريكية تروي تجربتها في التعامل مع الأرواح، وهذه الأرواح هي لأشخاص توفوا فجأة وتركوا وراءهم أمورا عالقة، فتعود أرواحهم باستمرار إلى ذات الأماكن بحثا عن الراحة. وترتبط هذه الأمور مع أحباء لها صلة بهذه الأرواح أو قضايا عالقة لم يسمح لها القدر بمعالجتها قبل وفاتها، وتصبح البطلة حلقة الوصل ما بين الأحياء وتلك الأرواح التي تحاول التفريج عن قلقها لكي تنام في قبورها براحة وسكينة.

الذي شدني للمسلسل أيضا أن معظم أحداثه تدور (على اعتبار أنها قصص حقيقية) حول أرواح لآباء أو أزواج أو عشاق أو أبناء أو أصدقاء توفوا فجأة ولا يجدون الراحة في قبورهم بسبب تركهم لأحباب لهم بدون أن يعبّروا لهم عن تفاصيل أحلامهم ومشاعرهم وطموحاتهم لأسبابهم الخاصة، ربما لإيمانهم بأن أحبابهم يعلمون بذلك، أو لانغماسهم في مشاغل الحياة الدنيوية، أو اعتقادا منهم بأنه هناك متسع من الوقت لمصارحتهم وغدر بهم الموت فجأة برحيلهم عن حياة الدنيا.

كُثر هم من يؤمنون بأن أحباءهم الذين رحلوا عن الدنيا لا يزالون يحيطون بهم يحتوونهم ويسمعونهم، وغالبا ما يفسر هذا التصرف بأنها طريقتهم في التنفيس عن آلام الفراق. كما أن هناك أشخاصا يجدون راحتهم في عزلة يتحدثون مع الأموات أكثر مما يتحدثون مع الأحياء، ولهذا قررت أن أعقد صفقة مع الموت، قررت أن أجعل من الموت صديقا لي!

يظهر لنا الموت بأشكال مختلفة، فهناك الموت التقليدي والمعروف الذي هو عبارة عن توقف القلب عن الخفقان وفقداننا للحياة، لكن في المقابل هناك بيننا العديد من الأحياء لكنهم في الواقع أموات، أمواتٌ في القلوب، أمواتٌ في المشاعر، أمواتٌ في الأخلاق، أمواتٌ في الإيمان والأمانة، أمواتٌ في تحقيق العدل والسلام، أمواتٌ ..وأمواتٌ .. وأمواتٌ

يُطبق في الدول المتقدمة ما يُعرف ب”الموت الرحيم”، أي بإمكان المريض أو أقرباءه المطالبة بإنهاء حياته بالموت، حين يقرر الأطباء استحالة علاجه وأن بقاءه  على قيد الحياة سيكون عبارة عن مراحل مؤلمة للموت البطيء. فإذا كنا نعتبر الموت في أحيان كثيرة رحمة لنا فلم نهابه؟!  فكم وكم من البشر الذين يترجون من الله بأن يستجيب دعاءهم بالموت. سواء على شكل الشهادة في سبيله، أو في سبيل الوطن أو من نحب ونعشق أو لأحبابهم المرضى رحمة بهم وبآلامهم. أيضا ألا تتداول كلمة “الموت” في أغلب أحاديثنا اليومية؟ العاشق يقول لحبيبته “أموت فيك” والموظف يترجى قائلا:”راح أموت حتى أحصل على الترقية”. وعدوك يرمقك بنظرة احتقار ويتفوه: “موت من الغم”. إذن بما أن الموت متعايش معنا ونستنجد به حين تشتد بنا الشدائد.. فما المانع إذن أن نعتبره صديقا لنا؟

عقدت صفقة مع الموت بأن يكون صديقي، لأني أردته أن يترفق بي عندما ألقاه، فأنا أترجى منه وأنا بضيافته بأن يبقيني بجوار أحبابي ،  لما لا..! فأنا والموت قد أصبحنا أصدقاء.

أطال الله في عمركم ،،


                                                                                      حبيبة الهنائي

تم نشر الموضوع بصحيفة الفلق الإلكترونية بتاريخ 14/10/ 2010


الرابط للموضوع:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق