نقوشٌ على جدار واسعٍ

الأربعاء، 18 ديسمبر 2013

سلسلة حرائر الربيع (2): ميشني: قصة إعاقة وظلم




سلسلة حرائر الربيع
سلسلة من اللقاءات مع مجموعة من النساء المناضلات والمدافعات عن حقوق الإنسان
في هذا الجزء من سلسلة اللقاءات التي تقوم بإبراز بعض المدافعات عن حقوق الإنسان من مختلف دول العالم وتسليط الضوء على أهم الشخصيات النسوية الاستثنائية، وطبيعة أنشطتهن، ونضالهن، وتضحياتهن ومطالبهن لأجل إحداث التغيير في دولهن منها تحقيق العدالة، ونبذ العنصرية، والقضاء على الفساد، والسعي من أجل خلق حياة أفضل في مجتمعاتهن، والمخاطر التي يواجهنها في سبيله.
سنتعرف من خلال هذا الحوار على شابة بنجلاديشية مناضلة تدعى (ميشني)، ورغم أن هذه الشخصية التي تمتلك قلبا رؤوفا، ووجه طفولي، وجسد هزيل، لكنها تستقبلك دوما بابتسامتها المضيئة ووجهها البشوش، وهي تسابق حركة دوران عجلات مقعدها المتحرك، لكي تصافحك بيديها المجروحتان، بحيث يصعب بمن لم يلتقي بها من ذي قبل، بأن يشعر عن مدى ما تتكبده هذه المناضلة من صعوبات وتحديات، وحجم العمل الذي تساهم فيه، والمخاطر التي تواجهها لأجل رفع الظلم والتخفيف من قساوة الحياة لمن هم بأمس الحاجة اليه .

عرفينا بنفسك ؟
أنا اسمي ميشني أشرف، بنجلاديشية الجنسية، أبلغ من العمر (36) سنة، ومدافعة عن حقوق الإنسان من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، حاصلة على درجة الماجيستير تخصص المحاسبة، ورئيسة لمؤسسة خيرية التي قمت بتأسيسها، والتي تُعنى بتنمية المرأة المعاقة وتحمل اسم: (Women Disabilities Development Foundation)
هل لازمتك الإعاقة منذ الولادة ؟
لا، بل لقد وقع لي حادث، عندما كنت في الثالثة عشر من عمري، وحدث ذلك في يوم ماطر، عندما كنت أنشر الغسيل على سقف بيتنا، وسقطت من هناك، وأصبت بإصابات بالغة و كسور وأصبحت منذ ذلك اليوم مقعدة .
وكيف أثّر ذلك الحادث على حياتك ؟
من دون شك فقد تغيرت حياتي رأسا على عقب، ولقد حدث كل ذلك بشكل مفاجئ، وذلك عندما وجدتُ نفسي بين ليلة وضحاها قد أصبحت من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة. فقد ساءت حياتي أكثر مما كانت عليه من ذي قبل، خصوصا مع عدم توفر أية خدمات لفئة المعاقين في منطقتي، وأهمها التعليم. بالإضافة الى وجود الحواجز العمرانية والمجتمعية والنظرة الدونية للمعاقين .
وكيف واجهتِ كل هذه الصعوبات ؟
استطعت تجاوز كل ذلك بفضل والدي ووقوفه بجانبي ومساندتي، حيث تحمل كافة النفقات ونقلني للعيش الى العاصمة (دكا) لأجل الحصول على التعليم وتكملة دراستي الجامعية هناك. كما أنني لم أتمكن طوال فترة دراستي من العودة الى منطقتي للعيش فيها الى أن قام والدي، وعلى نفقته الخاصة، بتوفير التسهيلات العمرانية اللازمة للمعاقين في الكلية التي التحقت فيها لاحقا. وبعد الانتهاء من دراستي الجامعية عدت للإقامة في العاصمة (دكا) لدراسة الماجستير .
وكيف تحولتِ إلى مدافعة عن حقوق الإنسان ؟
الذي جعلني أنخرط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، هو بسبب ما عانيته بشكل شخصي منذ إصابتي بالإعاقة. فلقد لمست تغيير كبير في المعاملة وعانيت كثيرا بسبب التمييز، وخصوصا كوننا فتيات ونساء. لأنه في بلدي بنجلاديش، يتم اضطهاد المرأة بشكل عام فما بالك لو كانت معاقة، حيث يتم اضطهادها بشكل لا إنساني، وذلك لأسباب عديدة لا يمكنني حصرها هنا جميعها، لكن سأذكر بعض منها، مثل نبذ الفتاة المعاقة من قِبل أسرتها، والعنف الجسدي والنفسي، والجهل بسبب الحرمان من حقها في التعليم، وبالتالي فإنه من النادر جدا أو من شبه المستحيل أن تحصل هؤلاء النسوة على وظائف ملائمة. كما انه تعيش هذه الفئة تحت خط الفقر والمرض وفي ظروف قاسية للغاية والعديد منهن يتعرضن للتحرش الجنسي والاغتصاب وعدم الزواج مما يؤدي بإصابتهن بأمراض نفسية كالإحباط واليأس وكل هذا يقابله تجاهل تام من قِبل الساسة و من أصحاب القرار.
وما هي مساهماتك من أجل إحداث التغيير؟
أثناء إقامتي في العاصمة (دكا) تطوعت للعمل في جمعية خيرية التي ترعى قضايا المعاقين، وبسبب إيماني بضرورة التركيز على قضايا المرأة بشكل أكبر اقترحت على الإدارة بتأسيس قسم خاص يهتم بقضايا المرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة فوافقت الإدارة، وبالفعل تم تأسيس القسم الذي أشرفت عليه. وبسبب حجم العمل والمسؤولية الكبيرة التي كانت على عاتقي شعرت بالحاجة الماسة بتأسيس جمعية مستقلة التي تُعنى بقضايا المرأة من هذه الفئة ولهذا قمت بتأسيس الجمعية بعد أن اكتسبت الخبرة والمعرفة بكيفية إدارة مؤسسات المجتمع المدني.

وكيف كان عملكم  بعد تأسيس الجمعية ؟
في البدء واجهتنا الكثير من الصعوبات والتحديات أهمها عدم توفر الموارد المالية، فبرغم إمكانياتنا البسيطة بدأت إدارة الجمعية بتنفيذ مهامها من خلال انتقاء أولوياتها. وكان التعليم على سلم تلك الأولويات، وبدأنا بتوفير الأدوات المدرسية للفتيات لكي يتمكن من التعليم والاستمرار فيه. كما أسسنا فريق خاص لدعم النساء والفتيات من ضحايا الاغتصاب والتهميش، وبمتابعة قضاياهن في مراكز الشرطة والمحاكم وأوضاعهن المعيشية. كما أطلقنا حملة للمطالبة بتعديل القوانين المجحفة في حق المرأة المعاقة.
وما هي الحالات التي قامت الجمعية بالدفاع عنها ؟
سوف أعرض عليك بعض الحالات لكي تتضح لك الصورة بشكل أكبر.
في عام 2005 توجهتُ مع فريق من الجمعية الى إحدى مراكز الشرطة لأجل رفع دعاوى قضائية ضد اغتصاب بعض الفتيات من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، لكنه قوبلنا بالرفض والاعتذار بعدم قبول تلك الدعاوي بحجة غياب المسؤول المختص بالمركز. وقررنا البقاء هناك لحين مجيء ذلك المسؤول، وانتظرنا طويلا حتى اقترب الوقت الى منتصف الليل، وفور وصول ذلك المسؤول والذي بدا لي بأنه قد تأخر عمدا على أمل بأن يجدنا لحظة وصوله قد غادرنا المركز! ولشدة دهشتنا بدأ بتوبيخنا أنا وزملائي بل وقام بتهديدنا قائلا بأنه في حال لم نترك ذلك المكان حالا فسوف يقوم هو برفع دعوى قضائية ضدنا لكي يمنعنا نهائيا من العودة مجددا الى هناك! ومن ثم وجه حديثه مباشرة نحوي واصفا إياي بأنني شخصية سيئة وغير مشرّفة. علما بأن مراكز الشرطة تحكمها النخب السياسية وأعضاء من البرلمان، وبالتالي فإن رجال الشرطة يخشون من ردود الفعل الغاضبة التي ستخرج من تلك الشخصيات المتنفذة وهناك احتمال بأن يتسببون بفقدهم لوظائفهم. لأن قبولهم بتسجيل تلك الدعاوي وتوثيق تلك الجرائم ستعتبر دلائل وبراهين على قصورهم من أداء مهامهم ومسؤولياتهم مما قد يؤثر لاحقا على نتائج الانتخابات كما سيتعرضون للإحراج والمسائلة الدولية.
ومثال آخر، عندما وقعت جريمة اغتصاب جماعية لفتاة معاقة لديها يد واحدة، ولقد تضررت تلك الفتاة لدرجة أنها أصيبت بالشلل المؤقت والعجز عن الحركة والمشي لفترة طويلة من شدة الإصابة. وعندما قررنا التوجه الى مركز الشرطة لتقديم البلاغ تم قطع الطريق علينا قبل وصولنا للمركز من قِبل رجال مسلحين مجهولين وملثمين الذين قاموا بتهديدنا بل وجّه أحدهم حديثه نحوي قائلا: اذا قمت برفع دعوى قضائية عن ما حدث فلن تعودي الى (دكا) على قيد الحياة.
وأيضا حاولت برفع شكوى ضد اغتصاب فتاة معاقة أدى الى حملها من مغتصبها ولقد اعترفت لنا الفتاة بأن الجاني هو صاحب المنزل الذي كانت تعمل فيه خادمة. ومجددا رفضت الشرطة قبول الدعوى وأثناء قيامي بزيارة الضحية قام مسؤول القرية بحضور اللقاء مع صحفي مدفوع الأجر كشاهد ضدنا! وقلت للصحفي بأنني سوف أشكيك لأنك تدافع عن من يعذبون ويغتصبون المعاقين .
وهل حققتِ أي تقدم بعد كل هذا النضال المرير؟
 بالنسبة للحالة الأخيرة، فقد نصحني الشرطي في مركز الشرطة بوضوح تام بأن لا أقوم بإضاعة وقته ووقتي قائلا: اسمعي أنا لدي خبرة طويلة في مثل هذه القضايا وأؤكد لكِ بأنها سوف تغلق مثل القضايا التي سبقتها بأن تتهم الفتاة بأنها عاهرة. لكنني لم آخذ بنصيحته وصممت على رفع الدعوى وهددت الشرطي انه في حال لم يقم بقبول الدعوى فسوف أتبنى حملة مناصرة وسوف أدعو فيها جميع المعاقين في بنجلاديش وعددهم كبير جدا بالتبرع لجمع تكاليف إجراء فحص إثبات الأبوة (DNA) لأجل إثبات أبوة الجاني وبالتالي ستصبح قضية رأي عام ويتطلب منه بتحمل العواقب، وقام الشرطي بتسجيل الدعوى على مضض.
وللتوضيح فقد اضطررت إلى اتخاذ تلك الخطوة لأجل إنقاذ حياة تلك الفتاة الضحية، على اعتبار أن قبول مركز الشرطة بتسجيل الدعوى ستساهم بحماية تلك الفتاة من احتمالية قتلها، لكونها يتيمة وليس لديها أهل أو مكان لكي تلجأ اليه، وبالتالي فيستطيع ذلك المجرم المغتصب بالقدوم على قتلها حيث كانت تعمل عنده كخادمة منزل لإدراكه التام بأنه لن يطالب أحد بدمها أو يسأل عنها. ولقد نجحنا بعد صراع طويل ما بين مراكز الشرطة والمحاكم من استرداد حق تلك الفتاة .
وماذا يضيف لك خروجك للمجتمع الدولي ؟
أحاول من خلال هذه المشاركات الحصول على الدعم والتأييد والمناصرة لأجل الضغط على الساسة في بلدي للاهتمام بقضايا المرأة المعاقة وحمايتها من الظلم والعنف الشنيع الذي تتعرض له في بنجلاديش.
إنتهى.
أجرت الحوار: حبيبة الهنائي
دبلن – 11 أكتوبر 2013
تم نشر هذا اللقاء في مجلة الفلق الإلكترونية: http://alfalq.com/?p=6019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق