نقوشٌ على جدار واسعٍ

الثلاثاء، 19 مايو 2015

التَرِكة التي خلفوها لنا أصدقائنا المدونين (في ذمة الله )





      حزن الشارع العُماني مؤخرا لوفاة الشيخ الداعية خلفان العيسري الذي رحل عن دنيانا بتاريخ 12 مايو 2015. وضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالفيسبوك والتويتر والانستغرام والواتساب وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي بخبر وفاته الذي تحول في وقت قياسي الى خبر الساعة حائزا على اهتمام ومتابعة كبيرين من قبل الرأي العام؛ ولم يكن ذلك بالأمر الغريب كون الشيخ الراحل شخصية عامة ومعروفة. وبادر بعض المغردين في التويتر بإنشاء الهاشتاجات الخاصة لحصر أخبار الشيخ الراحل وجمعها تحت مظلة واحدة. إذ تم من خلالها الاعلان عن كل الأخبار المتعلقة بالشيخ الراحل كتعريف الناس عن موقع الدفن والعزاء ونشر الصور الحصرية من بعد الدفن التي تم تداولها وتناقلها بشكل واسع هنا وهناك. بينما ضج التايم لاين بتغريدات الشيخ الراحل التي قام العديد من محبيه ومتابعيه بإعادة نشرها ، وأيضا إعادة نشر كتاباته المختلفة والمقالات التي كُتبت باسمه ومقاطع الفيديو التي تبين أنشطته ومبادراته الكثيرة لتذكير الناس بحياته وعطائه. وقام  بعض أفراد أسرة الشيخ الراحل بالإعلان عن آخر عباراته  ووصيته قبل رحيله. وأيضا صرح آخرون عن امتعاضهم بسبب بعض التصرفات التي اعتبروها جارحة أو مسيئة في حق أسرته، والرد على أي إشاعات تداولها البعض بدون أي مصدر موثوق لها. وفي العادة يستمر الوضع على هذا المنوال لعدة أيام ثم يخفت الاهتمام وينشغل الناس بأحداث أخرى جديدة.




كلنا ندرك بأن الداعية الشيخ خلفان العيسري - رحمه الله - كان شخصية معروفة أفنى حياته ووقته في خدمة دينه وخصوصا في الدعوى ولقد اعتنق على يديه أعداد غفيرة من الناس الدين الاسلامي ممن أتوا من كافة بقاع العالم. وأيضا عمل من أجل الإرتقاء بمؤسسات المجتمع المدني وترسيخ خبرته في ازدهار تجارته من خلال تقديم النصح والمشورة بكيفية إدارة الأعمال الناجحة والحث على حب العمل والإبداع والعمل على بناء قدرات الشباب.




بينما الخبر الآخر المحزن الذي لم ينتشر كثيرا هو الذي تلقفتُه في اليوم التالي مباشرة من وفاة الشيخ خلفان العيسري وهو خبر وفاة مواطن عادي اسمه عادل الشعيلي – رحمه الله وأسكنه فسيح جناته – ولقد لمحت هذا الخبر من بين صفحات أصدقائي الفيسبوكيين. وشخصيا لم أكن أعرف الراحل عادل الشعيلي على الاطلاق لكن الذي جمعني معه هم أصدقاء مشتركون، فقد توفاه الله بعد 24 ساعة من وقت حضوره دفن الشيخ خلفان العيسري.




إذن الموضوع الذي أردت طرحه هنا في هذا المقال عن نوع التَرِكة التي خلّفها لنا أصدقاؤنا أو أصدقاء أصدقائنا في العالم الافتراضي ممن توفاهم الله. وأيضا عن التَرِكة التي ندونها نحن اليوم وغدا لتركها لأصدقائنا من بعد رحيلنا ولو بعد حين. وهي عبارة عن تغريدات أو منشورات أو مدونات أو صور أو مقاطع فيديو.





       تابعت مؤخرا خبرا عن قيام إدارة الفيسبوك بالنظر في موضوع مصير الحسابات الخاصة للأشخاص المتوفين بشكل جاد والمصير الذي ستؤول اليه حسابات المتوفين وتحديد مصيرها. وما زالت هذه الإدارة تدرس الآلية المناسبة حول كيفية التصرف بهذه الحسابات بعد وفاة أصحابها؛ خصوصا وأن العديد من الورثة قاموا فعليا بمخاطبة هذه الإدارة لمنحهم الحق بالتصرف في حسابات أحبائهم سواء بحجبها عن الناس أو بالاستمرار في إحيائها. وعليه فقد طُرحت العديد من الاقتراحات منها إضافة خاصية معينة  تسمح لأصحاب الحسابات بإختيار أسماء من يرغبون بتوريث حساباتهم اليهم من بعد وفاتهم، هذا في حال لم يقوموا بتسليم الرمز السري لأي فرد من أفراد أسرهم قبل وفاتهم . لكن غالبية الناس لا يسلمون الرمز السري لحساباتهم إلى  الآخرين الا في حال توقعهم بقرب الأجل مثل الإصابة بمرض عضال بعد تأكيد  الأطباء بصعوبه علاجه، وهذا قد يمنح صاحبه الفرصة بتحديد مصير مواقعه وحساباته لكي لا تبقى من بعد رحيله مهملة وعائمة وجامدة .




واذا تأملنا في نوع التغريدات أو التدوينات أو الصور أو مقاطع الفيديو التي خلفها المدونون من بعد رحيلهم سنلاحظ بوجود نوعين: النوع الأول هو الذي يخص حسابات الشخصيات التي تكتب بحذر شديد ولا تنشر الا بعد  انتقائها للكلمات والصور المناسبة، ويرجع ذلك لأسباب عديدة منها اعتبار مثل هذه الفئة أنفسهم كشخصيات عامة سواء أكانت ثقافية أو رياضية أو سياسية أو من الفنانين أو دينية الخ ؛ وبالتالي يضعون مثل هؤلاء اعتبارات عديدة قبل نشر أي تدوينة والتأكد بأن يكون طرحهم مدروسا وحذرا وناضجا لأن إهتمامهم ينصب في شكل الصورة ونوع التدوينة التي سيخلفونها في حياتهم ومن بعد رحيلهم. بينما هناك الصنف العادي مثلي ومثل الراحل عادل الشعيلي وغيرهم كثيرون ممن يعتبرون وسائل التواصل الاجتماعي هو مجرد فضاء للتنفيس والتعبير عن المكنون وخلع الأقنعة والكشف عن شخصيتنا الحقيقية لأنه في الحقيقة لا يوجد هناك أشخاص مثاليون. وبجانب نشر المعلومة واكتسابها تهدف هذه الفئة عند التدوين بمشاركة الأصدقاء والمتابعين تفاصيل حياتهم واعتبار وسائل التواصل الاجتماعي البديلة لحاراتنا التقليدية التي يتبادل فيها الناس أخبارهم وأفراحهم وأحزانهم بل وهناك من يعتبر متابعيه جزءا من أهله وأصدقائه المقربين يقومون بنشر صورهم المضحكة والساخرة بدون أي تكلف بدافع الترويح عنهم واظهار مهاراتهم الكتابية سواء الجادة أو الساخرة والكوميديا. لكن الإشكالية تقع هنا عند حدوث الموت المفاجئ لمثل هؤلاء وعندما يجد أهل المتوفى بأن إعادة نشر تلك التدوينات والصور هو تصرف غير لائق وربما قد يسبب لهم الحرج والحزن. وهنا يقع أصدقاؤه في العالم الافتراضي في إشكالية حقيقية لأننا ندرك تماما بأنه سيأتي ذلك اليوم الذي سنرحل فيه جميعا، وبكل تأكيد سنترك خلفنا صفحاتنا بكل محتوياتها وعليه فإنه من البديهي أن يتوقع كل منا بأنه سيتم تداول وإعادة نشر كل تدويناتنا من بعد وفاتنا.





رحم الله المتوفين وأمدكم الله بطول العمر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق