نقوشٌ على جدار واسعٍ

الأربعاء، 21 يناير 2015

الخطاّبة الحديثة



في فترة الثمانيات كنت أتابع في بريطانيا برنامج عبر قناة "LWT" التلفزيوني اسمه "Blind Date" الذي لا يمكنني وصفه سوى بالتافه والذي كان من تقديم المذيعة "Cilla Black" ، ولقد استمر عرضه حتى فترة التسعينات. لأنه في ذلك الوقت لم تكن القنوات الفضائية متوفرة وبالتالي كانت الخيارات المتاحة للمشاهد محدودة. فقد كانت هناك أربع قنوات محلية وأغلبية برامجها تكون مملة ، رغم أن القانون البريطاني كان ولا يزال يُلزم الجميع بدفع ضريبة عن كل جهاز تلفزيوني موجود بداخل المنزل بينما كان للمشاهد خياران إما أن يدفع لجهاز التلفزيون الذي يظهر باللون الأبيض والأسود أم الملون؛ ومن الطبيعي أن تكون قيمة الضريبة أعلى بالنسبة للجهاز الملون. 





وتدور فكرة البرنامج حول المذيعة "سيلا بلاك" التي كانت تلعب دورا أقرب بوصفها بالخطاّبة الحديثة؛ وذلك عندما تستضيف مجموعة من الشبان ، ويتميز أغلبيتهم بالوسامة ، مقابل شابة واحدة التي لا يُسمح لها برؤيتهم. وتقوم الشابة من خلف حاجز ما بطرح العديد من الأسئلة الشخصية للشبان ومن خلال تفاعلهم وإجاباتهم تقوم الشابة بإختيار أحدهم كفارس أحلامها الجديد. ومن ثم يتكرر ذات المشهد لكن بالعكس بحيث يتم إستضافة مجموعة من الشابات الحسناوات ويأتي شاب يقوم بنفس الدور الى أن يقرر إختيار إحداهن وطبعا تحاول كل واحدة منهن بإستخدام ذكاءها وإغراءه لكي يقوم بإختيارها لكي تفوز بجائزة المسابقة بحيث يحصل الثنائيان الفائزان برحلة سياحية مجانية في خارج انجلترا على أمل أن يقعا هناك في الحب بشكل حقيقي وذلك بعد قضاءهما معا رحلة رومانسية ساحرة. 

وطبعا تتبعهما كاميرات البرنامج أينما ذهبا لكي يتم استعراض تفاصيل تلك الرحلة في الحلقة التالية. وفي حال وقعا فعليا في الحب تتصدر مانشيتات الصحف المحلية خصوصا عندما يقرران العيش معا كصديقان (البوي فريند والجيرل فريند) أم الإقتران بالزواج. وبكل تأكيد ستلاحظ بأن كثير من المشاهد لا تخلو من التمثيل المصطنع ، وللأسف تم لاحقا تقليد مثل هذه البرامج السطحية في قنواتنا العربية!

هنا الرابط للبرنامج:



لكن اليوم أرى بأن بعض البرامج التلفزيونية أصبحت أكثر نضجا ووعيا وتتبنى أهدافا نبيلة مثل سلسلة برنامج التعارف الذي يحمل اسم: The UnDateAbles ويستهدف الأشخاص الذين يصعب مواعدتهم أو المحرومين من الإرتباط في علاقات حميمية وفشلهم المتكرر في إيجاد الحب والحنان، وذلك بسبب إصاباتهم بإعاقات مختلفة مثل الصعوبة في التعلم أو النطق أو الإعاقات الجسدية أو الأقزام أو الأشخاص المنغوليين أو الذين لديهم تشوهات مختلفة. ويكون مصير مثل هؤلاء العيش في وحدة مريرة مما يؤدي الى إصابتهم بحالات من الإكتئاب والعزلة التامة بسبب انعدام الثقة مع أنفسهم والتهرب من مواجهة الناس خشية من السخرية مما قد ينتج بعدم رغبتهم بالإستمرار في الحياة وربما الإنتحار.



 والمدهش أن أرى في هذا البرنامج قيام وكالات ومكاتب تهتم بمثل هذه الفئة بحيث يمكنهم اللجوء اليها ومن جهتها تقوم هذه المكاتب بإجراء المقابلات الشخصية  لهم لمعرفة إهتماماتهم وتطلعاتهم والمواصفات الخاصة في الشريك الذي يأملون بإيجاده لمحاولة جمعهم بالشخص المناسب فيكون جزء من حياتهم. وطبعا المتابع لهذا البرنامج سيلمس اللمسة الإنسانية فبرغم إختلاف الثقافات مع مجتمعاتنا المحافظة لكنه سيجد الكثير من العوامل المشتركة وهي أن كل هؤلاء الأشخاص يتألمون بصمت ويحاولون الإندماج في المجتمع بشتى السبل وكثير منهم قد فقدوا الأمل بإيجاد الشخص الذي سيهتم بهم ويحبهم على ما هما عليه بصرف النظر عن الشكل الخارجي أو الحالة الصحية التي يعانون منها مما قد يساهم بمنحهم شيء من السعادة بعد قضاء حياة طويلة من البؤس والكآبة، وأتمنى لكم متابعة ممتعة ..

 هنا الرابط للبرنامج:

The Undateables | Season 4 Episode 2 | Tim, Ali and Alec


الأربعاء، 7 يناير 2015

عن #الصحفي_النذل و "مافيا" الصحفيين



 عندما بدأت بالتغريد في هاشتاج #الصحفي_النذل بتاريخ 29 ديسمبر 2014م لم أتوقع ذلك التفاعل الكبير من جانب المتابعين لكن المصادفة العجيبة أن يحاول التواصل معي ثلاثة من الإعلاميين وموظف واحد يعملون جميعهم في صحيفة يومية ذاتها دون غيرها! وذلك لأجل الإستفسار عن هوية ذلك الصحفي الذي قصدته في تغريداتي؛ ورغم أني لم أذكر نوع الجنس رجلا كان أم إمرأة؛ لكن أغرب ما في الأمر بأن يتواصل معي العديد من المتابعين سواءا بالإتصال أو عن طريق البريد الخاص بالفيسبوك والتويتر والواتساب للإستفسار عن نفس الموضوع مع إقتراح بعضهم بذكر أسماء أو بالتحديد بتكرار ذات الإسم لصحفي معروف دون غيره !!

كلنا ندرك بأنه ليس هناك إعلام حر في عُمان مهما حاولت الحكومة التسويق لنفسها، فجميع وسائل اعلامنا المحلية سواءا كانت مرئية أم المقروءة أم المسموعة ومؤخرا مواقع التواصل الإجتماعي ترضخ جميعها تحت رقابة أمنية مشددة، ولهذا شهدنا خلال السنوات الأخيرة الماضية إعتقال وسجن وإستدعاء والتحقيق مع المئات من المغردين والمدونين. وبالتالي لن يُسمح لأي إعلامي أو صحفي أو مذيع بأن يصل الى مستوى ما من النجاح والشهرة وكسب الشعبية ،وهو على رأس عمله، دون الحصول على التأييد والمباركة والرضى من الأجهزة الأمنية في الدولة. 

كما أنه هناك شخصيات محددة ومقربة من السلطة تصنعها الأجهزة الأمنية بدءا من الصفر ومن لا شيء لأهداف غير معلنة عنها بحيث تقدمها للرأي العام وتساعدها في كسب شعبية واسعة من خلال توظيف جميع وسائل الإعلام المحلية، مثلا لأجل تعيينها بمناصب رفيعة بإحدى لجانها الرسمية كاللجنة الوطنية لحقوق الإنسان أو لجنة الشباب الخ، أم لأجل توجيه الرأي العام قبل ترشحها بفترة كافية من بدء الإنتخابات في الشورى أو بالمجلس البلدي أو بعضوية غرفة تجارة وصناعة عمان أو في نقابة العمال الخ، أو قبل منح هذه الشخصيات القريبة من السلطة والموالية لها أوسمة أو جوائز رسمية رفيعة المستوى بالدولة.

أما بالنسبة لصحفيٌّ السلطة، فيتم تمرير المعلومات الحصرية لهم لبعض القضايا الخفيفة والمقبولة للنشر من قبل الأجهزة الأمنية وتمس هموم المواطن وأهمها قضايا الفساد لنشرها بإسماءهم، لكنه في حقيقة الأمر تنعدم النية والرغبة الجادة بمعالجة أي من هذه القضايا وبكل تأكيد لن يحاسب أو يعاقب عليها أحد وبالتالي لن يستفيد المواطن من نشرها سوى إمتصاص الإحتقان الشعبي لإيهامهم بأن الدولة تحارب الفساد وتكشفه وأيضا لإلهاء عامة الناس من خلال تناول التفاصيل السطحية لهموم المواطنين وقضاياهم التي أصبح الكل ملم بها منذ عقود وكل مافي الأمر أنهم يقرأونها على شكل ]مانشيت[ أنيق في صحفنا اليومية دون ذكر الأسماء بمسمياتها أو اقتراح وسائل جادة وناجعة لإجتثاثها وردعها .

وكلنا ندرك بأنه هناك لوبيات من المتنفذين وكل طرف يرغب بالإطاحة بالطرف الآخر ويقوم كل لوبي بتحصين نفسه بجيش من الصحفيين والمغردين الموالين لهم ويقتصر مهمتهم بفضح ممارسات الطرف المنافس ونشر غسيلهم على الملأ بالصحف وبوسائل التواصل الإجتماعي وأغلبهم يتخفون خلف العديد من الأسماء المستعارة ولن يتهاونوا بمحاربة أي مواطن يتعارض مع توجهاتهم بالتشهير بهم وبتوظيف كافة الأدوات والنفوذ المتوفرة لديهم لأجل إخراسهم كترويعهم أو إعتقالهم. 

كما يقوم #الصحفي_النذل بتجنيد فريقه الخاص به من الشباب اليافع ويكون أغلبيتهم من طلبة الكليات والجامعات الوصوليين منهم والمتسلقين بعد أن يشبعهم بالوعود الرنانة التي تسيل لها اللعاب خصوصا ونحن نعيش في زمن الواسطات والمحسوبيات كالحصول على وظيفة مرموقة ما بعد التخرج أو على بعثة للدراسات العليا لضمان مستقبل باهر لهم مقابل خدمة الوطن ]على حسب منظورهم الضيق[ مقابل التهجم على بعض الأسماء التي يتم تمريرها لهم لتخوينهم وشتمهم والتشهير بهم ولمس حياتهم الشخصية ونشر الإشاعات اللا أخلاقية عنهم مقابل مكافأة مالية بينما في المقابل يكلفون بمهمة الترويج للأسماء القريبة من السلطة ودعمها .

كما أنه #للصحفي_النذل مهام جانبية كثيرة ويفضل أن يكون من مرتادي الحانات والبارات والمراقص وهنا يأتي دوره بمتابعة المثقفين والمعارضين لسياسات الدولة ودعوتهم لشرب الكحوليات على حسابه الخاص بإحدى الفنادق الأنيقة أو الأندية الخاصة وتشجيعهم للذهاب اليها وأحيانا تعريفهم بالفتيات لأجل إختراق حياتهم الخاصة ومراقبة تفاصيلها لإكتشاف أسرارهم ونقاط ضعفهم لتوظيفها ضدهم في وقت الضرورة. وبذات الوقت متابعة قضايا الشارع ومعرفة بما يدور بين أزقتها وداخل جدران المنازل وكل هذا بعدما نجح بكسب ثقة المواطن البسيط الذي يلجأ اليه طلبا للعون والوقوف بجانبه في محاولة يائسة لإسترداد حقه ممن ظلمه على إعتبار أن ذلك الصحفي هو المدافع الأول عن حقوق المواطن بعدما رفع شعار الإصلاح واستعداده بمجابهة جبروت المسؤول المتنفذ والفاسدين والتضحية بأي ثمن في سبيل التمسك بمبادئه. ولكي يظهر للناس إلى أي مدى وصل تضحياته فلا بأس من آن لآخر بأن ينشر إشاعة عن نفسه بأنه تعرض للتحقيق أو للتهديد أو أنه أعتقل لفترة ما لكنه يفضل كتمان الأمر وعدم الإعلان عنه، كيف لا وهو الخبير المتخصص في نشر الإشاعات!

أما الدور الرئيسي #للصحفي_النذل فيظهر عند الأزمات وذلك عندما يصطدم المواطن بالسلطة بعد تعريتها ونفاذ صبره مثل فترة أحداث 2011 وخلال عام 2012 عندما شاهدنا سلسلة من الإعتقالات المتلاحقة وهنا يبدأ الصحفي بنشر قضايا مضادة بهدف إلهاء الرأي العام عن القضية الرئيسية وإشغالهم عنها وتوجيههم لمتابعة قضايا أخرى بديلة أقل خطورة عن التي تواجهها السلطة. ومن هنا ندرك مضار مثل هؤلاء [المافيا] من الصحفيين الذين يبيعون مبادئهم وضمائرهم ومصلحة أوطانهم بثمن بخس ويساهمون بتعزيز جبروت الظالم وإخماد مطالبات المواطنين الذين يجتهدون لأجل تأمين مستقبل أفضل لهم وللأجيال القادمة بعدما نجحوا بإخماد أصوات ضمائرهم وخنقها.

إنتهى .