نقوشٌ على جدار واسعٍ

الثلاثاء، 21 يونيو 2016

الدروس الخصوصية، هل هي ضرورة أم رفاهية؟ (2-2)





لن يختلف اثنان بأن المعلم الوافد يختار الغربة بحثا عن حياة أفضل وتحسين ظروفه المعيشية الصعبة التي خلفها وراءه في وطنه. كما أن رواتب المعلمين بشكل عام سواءً للمواطن أو الوافد ضئيلة للغاية مقارنة بالظروف المعيشية القاسية التي نواجهها في الوقت الراهن. وأكبر دليل على ذلك سلسلة الإضرابات والاعتصامات التي بدأت في السلك التعليمي العُماني منذ العام 2010.  وكان من بين مطالب المعلمين تطوير المناهج بحيث تتلائم مع تطورات العصر وزيادة الرواتب بحيث يتساوى مع بقية القطاعات في الحكومة وأيضا تسوية أوضاع المتأخرين في الترقيات بعد بقاء المعلم في درجته المالية أكثر من سبع سنوات. علما  بأن الدروس الخصوصية لم تتوقف على مدار العقود الماضية؛ كل ما في الأمر أنها تضاعفت بشكل هستيري نتج عنها تشكل لوبيات قوية من المعلمين الخصوصيين التي يصعب تفكيكها. بينما يكون أولياء أمور الطلبة هم الضحايا هنا، بحيث يقع على كاهلهم مسؤولية مواجهة تردي المستوى التعليمي في مدارسنا مما يجبرهم بتكبد المزيد من الأموال من أجل رفع مستوى التحصيل الدراسي لأبناءهم وتأمين مستقبلهم. 


ليس هناك مجالا للشك بوجود طلبة ممن هم بحاجة ماسة إلى دروس تقوية وذلك لتفاوت مستوى الذكاء والفهم بين البشر. وعليه من المفترض أن يتم تنظيم هذه الدروس خلال الفترة المسائية في المدارس التي ينتسب إليها هؤلاء الطلبة، وتحت إشراف معلميهم كونهم ملمين بمستواهم الدراسي لمعالجة نقاط ضعفهم؛ حتى لو اضطر أولياء الأمور من باب التنظيم بتحمل بعض الرسوم ، بحيث تكون هذه الخدمة إختيارية وليست إلزامية. هذا أفضل من أن يتعرض الطالب وولي الأمر لإبتزاز المدرسين الخصوصيين، لأن بعضهم يتعمدون التقصير أثناء الحصص المدرسية لكي يعرض لاحقا خدماته لطلابه أو خدمات زملاءه بأخذ الدروس الخصوصية. 


كما لا يمكن الإنكار بأن كثير من الطلبة قد استفاد فعلا من الدروس الخصوصية – ومن بينهم إبني – لأن ترك معلمه المفاجيء للمدرسة واحضار مدرس بديل [كان دون المستوى] ربما سيتسبب بإضاعة مستقبله. وبالتالي لم يترك هذا الظرف مجالا للتفكير سوى تحمل مصاريف إضافية لذات المدرس الذي كان يعلمه بنفس الرسوم التي كنت أتحملها في مدرسته بعد انتقاله إلى مدرسة خاصة أخرى.  وعلى حسب ما علمت بأن إدارات المدارس تمنع المعلمين من إعطاء دروسا خصوصية للطلبة الذين يدرسونهم في المدرسة. وذلك لتجنب محاباة الطالب الذي يأخذ دروسا خصوصية دون غيرهم. ورغم ذلك فإن هذا القرار لا يطبق لدى كثير من المدرسين الخصوصيين بشكل علني بعد إتفاق سري يتم بين المعلم والطالب.


لنعرض الآن أجر المعلم الخصوصي لكل طالب ونقيم مستوى الدخل الذي يجنيه لكي نستوعب لماذا تشكلت هذه اللوبيات. بكل تأكيد هناك فرق بين المعلم الخصوصي الذي يعطي الدرس لطالب واحد فقط، وبين تدريسه لمجموعة من الطلبة الذين يتراوح عددهم مابين 10 إلى 15 طالب في الدرس الواحد. حيث يمتد الدرس الواحد مابين ساعة إلى ساعتان. بشكل عام تتراوح تكلفة الدرس الخصوصي للطالب بمفرده مابين 15 إلى 20 ريالا في الساعة الواحدة. بينما يدفع المجموعة مابين 8 إلى 10 ريالات لكل طالب للدرس الواحد. بمعنى لو كان المدرس الخصوصي لديه مجموعتان في اليوم الواحد وعددهم عشرة طلاب ويعطي دروسا خصوصية لمدة خمسة أيام في الأسبوع، أي أنه يجني مائتان ريالا في اليوم الواحد، أي يساوي ألف ريال في الأسبوع الواحد وأربعة آلآف ريال في الشهر الواحد. وهذا المبلغ يساوي أضعاف مضاعفة الراتب الذي يكسبه في عمله (اللهم لا حسد). وهنا نتحدث عن مادة واحدة فقط فما بالكم بولي الأمر الذي يدفع لأكثر من مادة !




قد يقول البعض بأن هذا من حق المعلم الخصوصي نظير تعبه وجهده المضاعف وفي أوقات راحته. لكن لو نظرنا لهذا الأمر من زاوية أخرى؛ مثلا، لو إفترضنا أن ساعات العمل للمعلم هي من الساعة السابعة صباحا إلى الثالثة ظهرا؛ أي أنه يستيقظ من النوم قبل هذا الموعد بساعة تقريبا. ومن ثم يبدأ مباشرة بعد ساعات الدوام بإعطاء الدروس الخصوصية وذلك مابين الساعة الرابعة عصرا والتاسعة مساءا. إذن ماذا تبقى من هذا اليوم لكي يأخذ قسطا من الراحة ، والتحضير لليوم التالي، ومتابعة مستوى الطلبة الذين يعلمهم في مدرسته، لكي يعمل على رفع مستوى تحصيلهم الدراسي في الفصل، دون أن يضطر الطالب الاستعانة بالدروس الخصوصية؟  




ولهذا نشاهد اليوم إسم المعلم الخصوصي ورقم هاتفه النقال مطبوع بشكل بارز وكبيرعلى خلفية أوراق الدروس والمراجعة والإختبارات السابقة التي توزع في الحصص المدرسية (المدارس الخاصة) للطلبة، لأنها فقدت رسالتها وهدفها وهي نقل العلم والمعرفة.  لقد تحولت هذه الأوراق إلى نشرات إعلانية ومادة للترويج عن المنتج التجاري وهو ]المدرس الخصوصي[ الذي يعرض خدماته للمستهلك وهو ]الطالب[. بحيث أصبح إسم المعلم ورقم هاتفه أكبر حجما وأكثر بروزا من المادة العلمية نفسها المقدمة في هذه الأوراق! وعليه لابد من تدخل سريع من قِبل الهيئة العُمانية لحماية المستهلك لأجل تقييم جودة المنتج!! 

كما تتوفر اليوم في وسائل التواصل الإجتماعي قنوات ترويجية خاصة للمدرس الخصوصي مثل الفيسبوك واليوتيوب الخ. وأيضا هناك بعض المعلمين الذين يقومون بنسخ الإختبارات السابقة من الموقع الرسمي لوزراة التربية والتعليم ومن ثم يتاجرون بها من خلال بيعها للطلبة الذين يحرجون بالرفض خشية من إمتعاض معلمه ولا يمنحه درجة جيدة في أعمال السنة. كما يقوم بعض المعلمين بمساندة بعضهم البعض وترشيح زملاءهم لدى طلبة صفهم والعكس صحيح خصوصا خلال الفترة التي تسبق الإختبارات النهائية للفصلين. ومن خلال تجربة مؤسفة تعرض لها البعض هو ابتزاز المعلم الخصوصي لطلبته قبل أيام محدودة فقط من بدء الإختبارات النهائية عندما ادعى بأنه لم يستلم راتب شهر واحد لجميع طلبته. بل ولأجل لوي الذراع في ذلك الوقت القاتل، طلب منهم عدم الحضور مجددا للمراجعة في حال لم يدفعوا، مما اضطر الجميع بالدفع. ولهذا أنصح كل ولي أمر ممن ابتلى أبناءه بأخذ دروسا خصوصية بعمل جدول توقيع للمعلم الخصوصي كلما قاموا بالدفع.  



انتهى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق