نقوشٌ على جدار واسعٍ

الاثنين، 18 يوليو 2016

موائد العائدين: تاريخ المطبخ الزنجباري في عُمان

مقدمة
 تتباين المعتقدات والطقوس والعادات والتقاليد التي تمارسها الشعوب المنتشرة في كل بقاع الأرض. وقد يختلف الساسة عند اجتماعهم على طاولة المفاوضات حول قضايا الساعة؛ لكنهم لن يختلفوا أبداً لحظة التفافهم حول مائدة الطعام؛ لما للطعام من دور هام في تبادل الثقافات ولمّ الشمل. وسواءً كانت المناسبة سعيدة أم حزينة؛ فإن الطعام يكون دائما هو العامل المشترك الذي يجتمع الناس حوله ويلتئمون من أجله. 
 
ومما لا شك فيه أن المطبخ الزنجباري هو من أشهر المطابخ المحلية في عُمان؛ وأن المطاعم التي تقدم المأكولات الزنجبارية هي من أنجح المشاريع الوطنية القائمة في عُمان المتخصصة في هذا المجال، رغم تمركزها في العاصمة مسقط. حيث لم تنجح حتى الآن أي مشاريع محلية شبيهة لموائد الطوائف العُمانية الأخرى مثل البلوش واللواتيا والظفاريين وغيرهم في منافسة المطاعم الزنجبارية. إذْ يكفي تعليق لوحة معنونة بالمأكولات الزنجبارية على مطعم ما ، لكي تتكفل باستقطاب الزبائن من كل حدب وصوب؛ حتى وان كانت الوجبات التي تقدم فيها دون المستوى أو لا علاقة لها بالمطبخ الزنجباري لا من بعيد ولا من قريب، وذلك لما للمطبخ الزنجباري من إقبال وشعبية كبيرَيْن بين العُمانيين. وأكبر دليل على ذلك شهرة خبز المندازي وانتشاره الواسع في المجتمع المحلي لدرجة أن مقادير عجينة المندازي اكتسحت جميع البيوت العُمانية كافة بمختلف طوائفها دون تمييز. 

المتابع عن قرب سوف يدرك تماماً بأن كل هذا لم يأتِ من فراغ، حيث امتهنت النساء الزنجباريات مثل هذه المشاريع في زنجبار منذ أمدٍ بعيد. وقد مارسنها بطريقة منظمة وبمهنية عالية. والأمر الذي لا بد من توضيحه هنا بأن مهنة "استقبال الطلبيات" لإعداد الوجبات الزنجبارية في المنزل؛ لم تكن تقتصر على النساء الفقيرات فحسب، نتيجة للعوز والحاجة؛ بل مارست هذا العمل الكثير من النساء المنتميات إلى أسر متعلمة ومعروفة وميسورة ماديا. صحيح أن الفقيرات يمارسن هذه المهنة لأجل تحسين ظروفهن المعيشية؛ لكن في المقابل هناك أيضا من تمارس هذه المهنة بسبب عشقها للمطبخ، وهو الحافز الذي دفع بجميع هؤلاء النسوة نحو هذا العمل في المقام الأول، لأنه يستحيل أن تنجح في هكذا مشروع دون أن تعشق المطبخ. وأيضا يمكن اعتبارها هواية مربحة، خصوصا في إعداد تشكيلات متنوعة من الحلويات. كما امتهنت كثيرات هذه المهنة لإشباع حب كل منهن للعمل من خلال تأسيس مشروعها التجاري الصغير وتوظيف خبرتها وإمكانياتها في القيام بعمل منتج ومربح ومفيد يوفر لها استقلاليتها المادية. وبالتالي فقد عُرفت هؤلاء النسوة بالنزاهة والأمانة، ونتيجة لذلك فقد نجحن في كسب ثقة واحترام الزبائن،  بل لم يكن يُنظر إليهن نظرة دونية على الإطلاق،  ولم ينتب إحداهن يوما شعور بالخجل من عملها، كونها تكسب رزقها بالحلال.

وهكذا حين عاد قاطنو شرق أفريقيا إلى عُمان أحضروا معهم علومهم وثقافاتهم ومطبخهم الغني بالوجبات الشهية. وهذا النجاح المذهل دفع بكثير من الآسيويين الوافدين إلى محاولة تقليد المطبخ الزنجباري، لكن المتذوق الحذق سيدرك تماما بأن الطعام الذي تعده الأنامل الزنجبارية يستحيل أن تنافسه الوجبات الزنجبارية المقلدة والمنتشرة كثيرا اليوم هنا وهناك. 

سوف أعرض عليكم هنا بعض النماذج من النساء اللاتي كان لهن دور كبير في تأسيس المطبخ الزنجباري في عُمان.   


مطبخ الراحلة صالحة بنت سليمان الريامي

تعتبر الراحلة صالحة بنت سليمان الريامي هي أول من بدأ بتأسيس مشروع تجاري وربحي للمطبخ الزنجباري في عُمان، وذلك في بداية السبعينيات من القرن الماضي. وقد اقتصر عملها في منزلها الكائن في منطقة الولجة بولاية مطرح. في ذلك الوقت كان الناس منهمكين في بناء حياتهم ومكابدة الظروف المعيشية القاسية. ولم يقتصر الأمر على المرحومة صالحة في استقبال الطلبيات للمأكولات الزنجبارية فحسب؛ إنما كانت أول من قام بتوفير مستلزمات كفن الموتى في بيتها وذلك لوجه الله. وكان إذا توفى شخص ما ولم يجد أهله الكفن يتوجهون إلى بيتها مباشرة حتى ولو كان ذلك في الساعات المتأخرة من الليل أو قبل بزوغ الفجر. وكانت تترك لهم الخيار في دفع ثمنه لمن استطاع لكي تشتري بديلا عنه أو أخذه مجانا لمن يعجز عن الدفع بسبب العوز وضيق الحياة في ذلك الوقت. وكان من بين أشهر وألذ طبخاتها البقلاوة والسمبوسة الخالية من الزيوت والمندازي والرز القبولي (Pillaw) .


مطبخ بيبي مَسكاتي


صاحبة هذا المطبخ هي مية المسكرية، ولقبها المعروف ]بيبي مَسكاتي[ أو السيدة مسقطية تيمنا بمدينة مسقط؛ ومثل هذه الألقاب كانت تحملها كثير من العمانيات أو العربيات في زنجبار. قامت بي مَسكاتي بتأسيس مشروعها الصغير في عام 1985م وذلك بعدما أجبرتها ظروف الحياة على القيام بذلك. ففي تلك الفترة لم يكن للعمانيين العائدين من زنجبار أو شرق أفريقيا من ملجأ إلا منازل من سبقهم في العودة إلى عُمان. وكان هؤلاء العائدون يعاونون مضيفيهم في بعض أعمالهم ريثما تتحسن ظروفهم المعيشية ويستطيعون الاعتماد على أنفسهم. وقد كان الجيل الأول من العُمانيين العائدين من زنجبار وشرق أفريقيا مضيافاً ، وأخذ على عاتقه استضافة القادمين الجدد وإيوائهم. وهذا ما فعلته بي مَسكاتي التي كان منزلها يعج بأقارب تحملت هي وأسرتها مسؤولية إيوائهم، وبالتالي قامت بتأسيس مشروعها التجاري الصغير في البيت لكي تعين نفسها وأقاربها على مواجهة ظروف الحياة. كما كانت القوانين في ذلك الوقت سَلسِة ولم تلزم النساء باستخراج سجلات تجارية لمثل هذه المشاريع الصغيرة. ولقد اشتهر مطبخ (بيبي مَسكاتي) بـ"خفايفها" اللذيذة خصوصاً السمبوسة المقرمشة المحشوة بالدجاج أو اللحم التي كان من الصعب الحصول على مثلها في مسقط كلها وغيرها من الخفايف مثل الكتشوري (كرات مقلية من البطاطا المهروسة مع الفلفل وعصير الليمون) والكَتليس (أصابع مقلية تتكون من مزيج من سمك التونة والبطاطا المهروسة والتوابل). 

ولقد كان بيت بيبي مسكاتي  الكائن في منطقة روي ]وهو لا يزال قائماً حتى يومنا هذا[ في حركة دؤوب كخلية النحل. وبه حوش واسع تفوح منه الروائح الزكية  التي تشمها منذ لحظة ترجّلك من سيارتك. جاءت الوصفة السحرية لسمبوسة بي مَسكاتي من شقيقتها في زنجبار والتي سبقتها في استقبال الطلبيات في بيتها هناك لكي تعيل نفسها وأولادها بعد تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في زنجبار منذ وقوع الانقلاب عام 1964م. وعندما زارت شقيقتها عُمان قامت بتدريب الطباخ الوافد الذي يعمل لدى بي مَسكاتي وكشفت له عن وصفاتها السرية والسحرية. وكسبت خفايف بي مَسكاتي شهرة وشعبية واسعة وأصبح لمطبخها إقبال منقطع النظير. كما ساعدها في ذلك موقع منزلها الكائن في منطقة ممتاز في روي الذي كان ولا يزال يقع في منطقة الحي التجاري في روي بالقرب من البنوك والشركات وبالتالي كانت تأتيها طلبيات من العديد من الشركات والبنوك لأجل مناسباتها وفعالياتها المختلفة. بالإضافة إلى طلبيات الأعراس والمناسبات الإجتماعية الكثيرة، حيث كانت جودة خفايف بي مَسكاتي هي التي تفرض نفسها بلا منازع. ويبدو أن نجاح مطبخ بيبي مسكاتي جعل بعض التجار يُغرون طباخها الحافظ للوصفات السحرية فتركها  وفتح مطعماً بديلاً في منطقة وادي عدي مقابل مستشفى النهضة، لكنه لم يكن لينجح مؤقتاً لولا متاجرته باسم بيبي مسكاتي والتربح من ورائها. فقد كان الناس يتوجهون إلى مطعمه ذاك معتقدين بأنه مطعم بي مَسكاتي. ولم تمض سوى عدة سنوات حتى اختفى المطعم والطباخ، أما بيبي مسكاتي فقد افتتحت عام 1991م مطعم حُبارى (HUBARA) الكائن بمنطقة الخوير بجوار منتزه الخوير وهو لا يزال موجود حتى يومنا هذا. ورغم دخول بي مَسكاتي عقدها الثامن ، ورغم مرور أكثر من ثلاثين عاما على تأسيس مطبخها الكائن في منزلها في روي، إلا أنه لا يزال حياً وعامراً بالحياة وتفوح روائحه الزكية بمجرد اقترابك منه.

 

مطبخ مطعم ممباسا


أسست شمسة الحارثية مطعم ممباسا في عام 1991 م ، ويقع في منطقة الخوير بالقرب من فندق راديسون بلو  الذي كان يُعرف سابقاً باسم راديسون ساس]علماً أن هذا المطعم لا يزال موجوداً بذات الموقع منذ تأسيسه[. لم تبدأ شمسة مشروعها من البيت كسابقاتها، وإنما قامت مباشرة بفتح مطعمها وكان يساعدها فيه طباخ كيني يدعى صالح.  

توجهتُ إلى المطعم ولم أجد أصحابه، وبعد أخذ ورد مع بعض الندل أعطوني رقم هاتف فاتصلتُ به لأفاجَأ بصوت شاب عُماني أبلغني بأنه المالك الثالث لهذا المطعم. المفاجأة هي أنني وجدته لا يعلم شيئا عن تاريخ المطعم ولا عن خلفيته!، وعندها سألتُه عن السبب الذي دعاه لشراء مطعم للمأكولات الزنجبارية وهو ليس له جذور سواحلية في زنجبار! أجابني بأنه اشترى المطعم لأنه لمس إقبالاً كبيراً من العُمانيين على مثل هذه المأكولات. 

بعد السؤال والتقصي حصلت على رقم شمسة الحارثية وهاتفتُها وعرفتُ منها أنها  اضطرت لفتح المطعم كي تغطي تكاليف التعليم الجامعي لأبنائها في الخارج. وقالت إنها أدارت مطعمها أربعة عشرة عاماً، وكانت تشرف على المطبخ وكيفية إعداد الطعام بنفسها، بل كانت أيضاً هي وأسرتها الصغيرة يتناولون الطعام في المطعم مما يطبخون لأنها كانت تستخدم نفس المقادير التي تستخدمها في بيتها. وعندما توسع مشروعها سعت لجلب المزيد من الطباخين الآسيويين. وكانت تدربهم أولا في بيتها على كيفية الطبخ والنظافة لعدة أشهر قبل السماح لهم بالعمل في المطعم.

ولأن لشهر رمضان خصوصيته الغذائية في عُمان كما هي  خصوصيته الدينية فقد كان زبائن المطعم يتضاعفون فيه وطلبياتهم تزيد حسب ما تروي الحارثية، وكذلك الحال بالنسبة لولائم الأعياد والأعراس والعزاء.  وتضيف ضاحكة  "أما بالنسبة للمندازي فلا تبقى حبة واحدة وتنفد كلها خلال عشر دقائق فقط من عرضها للبيع". 

غير أن مشروعاً كهذا من الطبيعي أن تعترضه بعض الصعوبات، والتي تلخصها شمسة الحارثية في كونها مراعاة لظروف بعض الزبائن من المقربين تقبل بتقديم وجباتها وولائمها بالبيع الآجل، لكن هؤلاء يماطلون بعد ذلك أو لا يدفعون مطلقا. وكذلك فإن البعض لا يعيد أواني المطبخ بعد توصيل الطعام إلى منزله. أما الصعوبة الأشد  التي كانت الحارثية تعاني منها فهي من مفتشي البلدية، تقول : " نحن نقوم بتجهيز اللحوم منذ السادسة صباحا ثم نقوم بوضعها في الثلاجة لحين موعد إعداد وجبة الغداء. وعندما يأتي مفتش البلدية يدعي بأن اللحم قديم ويقوم برميه رغم تأكيدي له بأنني أشتري يوميا لحوما طازجة".  

وتقول شمسة بشيء من الحسرة  إن جيل اليوم يظن بأن الأكل الزنجباري عبارة عن السمبوسة والمندازي والكتشوري فقط. وتتساءل : "خبريني مثلا من تعرف من الجيل الجديد كيفية إعداد الـ فيلوسا (Vilosa) ؟"، وتضيف أن بعض الشابات ممن اخترن هذه المهنة لا يستعملن إلا المعجنات الأجنبية فقط مثل البيتزا والكعكات والسبرينج رولز الخ، "وهذا الأمر يحزنني كثيراً لأن المائدة الزنجبارية غنية جداً، وكل مواد طبخها متوفرة، سواء كانت أسماكاً أو لحوماً أو طيوراً أو توابل. كما أن التربة الزنجبارية خصبة جدا لهذا نستهلك الكثير من الفواكه والخضراوات والبقوليات من هناك . وبالتالي فقد كان شعاري في المطعم هو ما معناه "تذوق طعم الوطن رغم بعدك عن الوطن":
[A Test of Home, Away From Home]


مطعم الفضاء


يقع مطعم الفضاء في روي بالقرب من جامع السلطان قابوس ، وهو مشروع عائلي أسسه سيف بن حمود البهلاني تحت إشراف زوجته. ورغم بعد هذا المطعم عن الشارع العام إلا أنه استحوذ على شعبية كبيرة في ثمانينيات القرن الماضي كونه محاطاً بعمارات سكنية عديدة وشركات كبيرة ومؤسسات حكومية ومحلات تجارية صغيرة خصوصاً محلات الخياطة التي تستقطب العديد من الزبائن. وفي فترة الثمانينات كانت تعتبر هذه المنطقة مركزاً من مراكز التسوق ووجهة كثير من الأسر والشباب العازبين. وبالتالي كان هذا المطعم معروفاً جدا ويتمتع بشهرة كبيرة. فهو الذي كان وجهة الموظفين لتناول إفطارهم الصباحي وكذلك الغداء بالنسبة للقاطنين في مناطق بعيدة. ناهيك عن طلبيات الأعراس والمناسبات الاجتماعية المختلفة. علماً بأن هذا المطعم لا يزال قائما حتى يومنا هذا وفي نفس الموقع.
(ملاحظة: مؤسس هذا المطعم موجود حاليا في زنجبار وسوف أقوم بتحديث المعلومات فور عودته والتحدث معه)


مطبخ زمزم

بدأت زمزم مشروعها الصغير عام  1991 من بيتها الكائن بمنطقة سيح الظبي بولاية العامرات. وكانت بدايتها متواضعة جداً؛ حيث كانت تحمل معها إلى جهة عملها عشرين قطعة من أصابع كباب اللحم وعشرين قطعة من الكتشوري لتبيعها لزملائها وزميلاتها في فترة وجيزة. ومن هنا  بدأت تأتيها طلبيات من زملاء العمل الذين لا يجدون وقتا لتناول وجبة الإفطار في البيت. ومع مرور الأيام ازدادت الطلبيات، وبدأ زبائنها يقترحون عليها قبول طلبيات أكبر للوجبات والولائم الخاصة بالأعراس والعزاء. فكان أن استجابت في البداية بأخذ طلبيات لعشرة أشخاص ثم لعشرين، وتدريجيا أصبحت اليوم تتلقى طلبيات دفعة واحدة لعدد يزيد عن ألف شخص. 

تفرغت زمزم لمطبخها بعد التقاعد من عملها. وفي سنة 2007م استأجرت من البلدية مقهى صغيراً يقع داخل حديقة سيح الظبي، حيث تبيع فيه المشاكيك والبطاطا المخلوطة مع شوربة الكركم (Mbatata za Urojo). ورغم أن الربح الذي تجنيه من هذا المقهى ضئيل لعدم توفر وسائل ترفيه في الحديقة لجذب الناس إلا أنها مع ذلك  قررت الابقاء على هذا المقهى حتى اليوم  لإرضاء قلة من زبائنها من كبار السن الذين "يعشقون مشاكيكها" كما تقول.

تعزو زمزم عزوف جيل الشباب عن مثل هذه المشاريع إلى نفورهم من المطبخ، ولأنه عمل مرهق جداً ويتطلب طاقة ونشاطاً كبيراً. مثلا قد تتلقى مكالمة هاتفية في الساعة الثانية صباحاً يطلب فيها المتصل وجبة غداء لمائتي شخص سيكونون في خيمة العزاء في الغد بسبب حالة وفاة مفاجئة، أو قد تتلقى طلبية مفاجئة في الساعة الحادية عشرة صباحا لإعداد وجبة الغداء لمائة شخص خلال ساعتين، وبسبب ظروف كهذه ينفر الشباب من هذا العمل.


مطعم ديدا

 (ديدا: هو اسم التدليل في زنجبار لكل من تحمل اسم خديجة). بدأت ديدا مشروعها الصغير في أوائل الثمانينيات. وهي كذلك بدأت مباشرة بفتح مطعمها الذي حمل اسم "مطعم ديدا" وذلك في منطقة الحيل بالسيب. لاقى مطعمها انتشاراً كبيراً في تلك المنطقة التي تتسم بالكثافة السكانية العالية. لكنها لم تلاقِ نفس النجاح عندما افتتحت فرعَيْن له في منطقتي الغبرة والعذيبة، ربما لأنهما منطقتان تجاريتان وتنتشر فيهما المطاعم العالمية، كما أن ثمة تغييرا حدث في التركيبة السكانية لهاتين المنطقتين فأصبح يقيم فيهما الكثير من الأجانب الذين ربما لم يسمعوا بالوجبات الزنجبارية. ورغم ذلك فإن ديدا لا زالت مستمرة في مشروعها حتى يومنا هذا.   


مطعم كرافان

"لقد أرادت والدتي إطعام الناس من مطبخ البيت وهكذا انتهينا جميعاً بالعمل في هذا المشروع العائلي" هكذا افتتح أسعد حديثه عن مطعم كرافان الذي أسسته والدته جوخة الجابرية. وهو مشروع تجاري عائلي شبيه بالمطاعم العائلية الإيطالية الشهيرة عندما تجد في بعضها أن الأسرة المالكة للمطعم تقيم في نفس مبنى المطعم الذي تديره أو في الجهة الخلفية منه. 

الذي أثلج صدري هو مشاهدة الأسرة الوحيدة التي تدير مطعماً زنجبارياً بمشاركة أبنائها لضمان استمرارية المشروع.

ترعرع أسعد وإخوته في منزل تفوح روائحه الزكية منذ الفجر الباكر. روائح زكية من جدته التي تعد البخور، وروائح أخرى من والدته التي تعد الطعام. مع الوقت كبر المشروع وانخرط أسعد وإخوته في مساعدة أمهم. مطعم كرافان مشهور بمندازيه الطري واللذيذ، وولائمه الكبيرة. فتحت جوخة في أواخر التسعينات مطعماً في الخوير مقابل مجمع المحاكم القديم، لكن واجهت خلالها بعض الصعوبات في الحصول على تصاريح لإحضار المزيد من العمال. اليوم فتحت مطبخها في بوشر الذي يستقبل الطلبيات فقط.


قلق على مصير المطاعم الزنجبارية:

إن نجاح المطاعم الزنجبارية وزيادة الإقبال عليها دفع أصحابها إلى الاستعانة بأعداد كبيرة من العمالة الآسيوية الوافدة لأجل إرضاء الزبائن وطلباتهم المتزايدة. وهذا الأمر جيد كونه يبشر بانتعاش سوقها وارتفاع أسهمها، لكن وللأسف الشديد بدأت الكثير من هذه المطاعم تفقد جودتها في الوجبات التي تقدمها، وأصبحت تتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر بالمطبخ الهندي. فبرغم أن بعض  المأكولات الزنجبارية هي في الحقيقة من أصول هندية مثل أرز البيلاو والبرياني والكتشوري والكتليس والتشاباتي لكنها تختلف في طريقة إعدادها عن الوجبات الهندية والنكهة بسبب اختلاف نوع التوابل التي تضاف إليها. 

وللأسف الشديد فإن بعض النساء الزنجباريات ممن يملكن هذه النوعية من المطاعم بدأن بالاعتماد الكلي على الأيادي العاملة الآسيوية بعد تدريبها وذلك لعدة أسباب أهمها عدم قدرة هؤلاء النسوة على تلبية الأعداد المتزايدة من الطلبيات بمفردهن، وأيضا بسبب تقدمهن في العمر المترافق مع فتور في رغبة الأجيال الشابة من أبنائهن وبناتهن في العمل في هذا المجال مما يهدد بتوقفه. 


كتاب 

هناك بعض الجهود لتوثيق المأكولات الزنجبارية منها كتاب للكاتبة فوزية بنت علي بن خليفة المسكري


انتهى.

الروابط الخارجية:
قشاط - how to make kashata: https://www.youtube.com/watch?v=dKHg7jwpbZQ
Vilosa (sweet rice dumplings): https://www.youtube.com/watch?v=uUzWnfrR8z0
Mbatata za Urojo: https://www.youtube.com/watch?v=cXleqUs2NAo


هناك تعليقان (2):

  1. شكرا. مقال رائع اعاد الينا روائح المطبخ القديم.
    نسيت ذكر اشهر مطعم زنجباري اليوم وهو مطعم زنجبار بالحيل الشمالي مقابل مركز التدريب.

    ردحذف
  2. مقال رائع جدا بصدق، أعطيتنا نبذة واسعة عن هذا الموضوع المشوق .. جهد رائع تشكري جدا عليه .. وأود التنويه إلى أنني أسكن بالقرب من مطعم حبار الذي يدفع مبلغ كبير جدا كإيجار للمحل الذي يعمل فيه بمنطقة الخوير، ولكنه مستمر بقوة بسبب كثرة رواده من العمانيين وجودة ما يقدم بالرغم من أنني أعتقد أن محتوياته تعد حاليا للأسف بأيدي وافدة .. تحياتي العميقة لك أم حافظ دمت بعافية

    ردحذف