نقوشٌ على جدار واسعٍ

الأحد، 24 نوفمبر 2013

الأمريكية "راشيل كوري" وجريمة اغتيال أصغر ناشطة سلام في غزّة



من هي راشيل؟
راشيل كوري، هي شابة أمريكية من مواليد قرية أولمبيا بولاية واشنطن، بتاريخ 10 ابريل 1977. وكانت منذ صغرها تحمل رسالة الحب والسلام والإنسانية وتشعر بآلام الأطفال والمظلومين، فبدأت بالكتابة عنهم. وقُتلت في غزة بتاريخ 16 مارس 2003، وكانت لا تزال شابة يافعة في عمر الزهور. رحلت راشيل وتركت وراءها حلمها، بأن يعيش الناس في عالم تعم فيه الإنسانية ويحلّ الحب والسلام.

كانت راشيل لا تزال طالبة جامعية تدرس في عامها الأخير "تخصص الأمراض العصبية" عندما قررت الانضمام كـناشطة سلام ضمن منظمة حركة التضامن الدولية مع العديد من زملائها الشبان والشابات. وفي عام 2003 توجهت مع زملائها إلى فلسطين وبالتحديد في مخيم رفح للاجئين التابع لقطاع غزة المحتلة آنذاك. وأقامت مع أسرة فلسطينية بسيطة رب أسرتها يعمل طبيبا. وأحيطت راشيل بحب ورعاية تلك الأسرة كفرد من أفرادها. وكانت تشارك جميع أفراد الأسرة النوم في غرفة الوالدين بسبب قصف جميع الغرف الأخرى، بينما كانت تفترش على الأرض وتنام  بجوار إحدى بنات الأسرة.


راشيل وغزة
تعلقت راشيل بالأسرة وتعاطفت مع جميع سكان المنطقة، وذلك بعد أن لمست وبشكل يومي درجة المعاناة والظلم والاضطهاد الذي كان يتعرضون له. وخلال فترة الحظر المفروض على أهالي غزة، تمالكها الغضب والألم بسبب المعاملة الخاصة التي كانت تتلقاها، وتفضيلها، فقط لكونها مواطنة أمريكية. فقد كان يُسمح لها بالخروج من المنزل والتنقل كيفما تشاء، بينما لم يتمكن أي من أفراد أسرتها وبقية السكان الفلسطينيين بفعل ذلك. ولقد عبّرت عن ذلك الشعور من خلال المراسلات التي كانت تتبادلها مع والديها عبر البريد الإلكتروني، والتي نُشرت لاحقا في كتاب خاص بعد مقتلها. ولقد شرحت لوالديها صعوبة الوضع ومعاناة الشعب الفلسطيني الذي أدار العالم ظهره عنهم. ولقد كتبت بإحدى المرات عن حلم الأطفال الفلسطينيين في اللعب والمرح على شاطئ البحر وهو حلم لن يتحقق بسبب الحظر والمنع حتى من اللعب في خارج المنزل .


التصريحات التي أودت بحياتها
أخذت راشيل على عاتقها مسئولية أكبر من ربيع عمرها وقررت بأن تنقل للعالم الخارجي الصورة  الحقيقية عن معاناة الشعب الفلسطيني. فبدأت بتكثيف تصريحاتها الإعلامية التي كانت تنتقد فيها الحكومة الإسرائيلية بشدة وشراسة. وفي المقابل كانت تشيد بعزيمة الشعب الفلسطيني وصموده في المقاومة. وكانت هذه الإنتقادات كفيلة بإثارة حفيظة وحنق وغضب الحكومة الإسرائيلية.

سأترككم مع شهادة بعض الكتًاب لمتابعة تفاصيل ووصف أحداث مقتل راشيل أثناء محاولتها لمنع الجرافة الأمريكية الصنع (البلدوزر) ماركة (CAT-D9) والتابعة للقوات الإسرائيلية عندما كانت تهم بتدمير العديد من المنازل والمزارع التي يملكها الأهالي الفلسطينيين منهم منزل علي ومدحت الشاعر:


الكاتب: عدنان حسين أحمد
وصف تفصيلي للحادث المؤسف:

في الساعة الثالثة بعد الظهر من يوم الاحد المصادف 16 آذار (مارس) 2003، وفي مخيم رفح للاجئين، التابع لقطاع غزة المحتل آنذاك، وقفت راشيل كوري ومعها سبعة اصدقاء من ناشطي السلام بوجه البلدوزرات الاسرائيلية التي كانت تقوّض منازل الفلسطينيين، وتقتلع اشجارهم، وتجرّف اراضيهم الزراعية، وتدفن آبارهم. وقد وقفت راشيل تحديداً أمام بلدورز وزنه (60) طناً كان يحاول تدمير احد المنازل، غير ان راشيل اتخذت من نفسها درعاً بشرية وتصدت للبلدوزر وهي تحمل مكبرة صوت، وقد نجحت في منعه لمدة ساعتين تقريباً من الوصول الي الدار. غير ان السائق الاسرائيلي لم يتحمل اصرار راشيل فتقدّم نحوها، وحينما اراد ان يدهسها بجرافته الامامية تسلقت الي باطن الجرافة المملوءة بالتراب والانقاض غير انه حملها في باطن الجرافة وقلَبها علي الارض فدفنت تحت التراب، ولم يكتف بذلك بل تقدم الي الامام ساحقاً اياها بنصل الجرافة الحديدي، ثم عاد الي الخلف ليجهز علي حياتها نهائياً. وفي الساعة الرابعة والدقيقة السابعة والاربعين كان ناشطو السلام ينبشون التراب ليخرجوا راشيل من تحت الانقاض، لكن بعد فوات الاوان اذ تحطمت جمجمتها، وكسرت اضلاع صدرها، واصيب عمودها الفقري بتلف كبير. وفي تمام الساعة الخامسة وخمس دقائق كانت راشيل ترقد في مستشفي النجار في رفح حيث كان الاطباء يبذلون قصاري جهدهم لانقاذها من الموت، لكن الدكتور علي موسي في المستشفي ذاته قد صرح لصحيفة ها آرتس بان سبب الوفاة يعود الي كسور في الجمجمة والصدر.


                                    الكاتب/ جمال صدقي
"إن النضال من أجل المبادئ هو أسمى أنواع النضال. وأصحابه ـ فى رأيي ـ يمثلون الإنسانية فى سموها، هم حالة ملائكية خاصة لا يدانيها إلا الواصلون ( كما يقول الصوفيون). فالمناضلون الذين يقاومون قهر أو ظلم ما واقعون تحته هم بالتأكيد أصحاب مصلحة فى رفع هذا الظلم أو القهر. أما الذين يتركون أوطانهم ويهجرون طبقاتهم من أجل رفع ظلم عن مظلومين فأولئك هم الإنسان إذا ما تأنسن، والذين يستشهدون منهم فأولئك هم الملائكة.

وأنا شخصياً لا أعرف كيف واتت راشيل الجميلة، ابنة الثالثة والعشرين، الشجاعة لتواجه الموت. فهي لم يفاجئها الموت بغتة، ولم يلعب معها ألعابه المخاتلة الغادرة التى يمارسها مع البشر منذ ملايين السنين..

لم تمت برصاصة طائشة لم ترها قادمة إليها، وهى لم تقض بصاروخ دون أن تدرى أنها ماتت.. بل وقفت قبالته، واجهته وواجهها.. وماتت.. ليس دفاعاً عن قوم ليسوا قومها، ولكن عن حلم نبيل بعالم أفضل يختفي فيه الظلم والقمع والقهر، وإن لم يختف الموت. هذا الحلم هو ما يربطنا براشيل وبكل الملائكة فى العالم عندما تكون الحياة هى الجحيم.

ونحن نذكر راشيل، الأمريكية المولد، الإنسانية الجنسية، نذكر أيضاً حلمها، حلمنا، ونتشبث به، وربما نموت مثلها، بغتة أو وجهاً لوجه، لكننا، مثلها، سنظل نناضل ضد الصهيونية والإمبريالية الأمريكية وكل أشكال القهر فى كل مكان.

إما أن نحول الأرض إلى جنة، وإما أن نتحول مثلها إلى ملائكة. وليت راشيل أن تلقى لنا بالتحية على جيفارا..."


ردود الفعل للجريمة الشنعاء
ادعى السائق المجرم للجرافة الإسرائيلية، بأن راشيل كانت تقف في زاوية لم يتمكن من رؤيتها، وأن مقتلها كان حادث مؤسف وغير متعمد وذلك عندما قفزت راشيل فجأة قبالة الجرافة بحيث لم يتمكن من تجاوزها. لكن شهود عيان وزملائها السبعة الآخرون (أحدهم أصيب بجروح أثناء محاولته لإنقاذ حياتها) أكدوا عكس ذلك تماما وان القتل كان عمدا. وعلى ضوءه، نشرت منظمة "حركة التضامن الدولية" بيانا رسميا أوضحت فيها استياءها من ادعاءات السائق الكاذبة. وقامت المنظمة بنشر صور فوتوغرافية التي أُخذت خلال فترة وقوع الجريمة والتي تثبت كذب تلك الإفتراءات. بينما أيد المتحدث الرسمي لوزارة الدفاع الإسرائيلي إدعاءات سائق الجرافة عندما صرح قائلا: لقد كان حادث مؤسف للغاية، فقد كنا نتعامل مع مجموعة من المتظاهرين الذين كانوا يتصرفون بطريقة غير مسئولة وكانوا يغامرون بحياتهم ووضعوا حياة الآخرين في خطر.


اليوم العالمي ضد جرافات كاتربيللا ماركة (CAT-D9)
تظاهر أقرباء راشيل وزملاءها من النشطاء والعديد من سكان مدينة أولمبيا للمطالبة بالتكاتف من أجل كسب التأييد والمناصرة في جمع أكبر عدد من الأصوات لأجل اعتماد يوم 13 ابريل من كل عام كـ يومٌ عالمي ضد شركة كاتربيللا الأمريكية (Caterpillar) وهي الشركة المصنعة للجرافات التي تُباع للقوات الإسرائيلية في فلسطين، والتي تصنّع خصيصا لها وتستخدم في هدم المنازل وبتدمير الأراضي الزراعية وقتل الأبرياء العزّل. ويأمل الناشطون من خلال هذا الحراك بتوجيه رسالة مباشرة إلى الشركة الأمريكية المصنّعة برفضهم لهذا التوجه وأيضا بتعريف العالم بالجرائم التي تنفذها هذه الشركة و جرافاتها.


مقاضاة المجرمين
حمّلت والداي راشيل الشركة الأمريكية كاتربيللا (Caterpillar) بجانب الحكومة الإسرائيلية مسئولية مشتركة في قتل ابنتهما. وقدم مركز أمريكي للحقوق الدستورية الدعم القانوني لوالدي راشيل لرفع قضية ضد الشركة الأمريكية (Caterpillar) لمخالفتها اللوائح والأنظمة المحلية والدولية، من خلال تصميم جرافات وتصنيعها خصيصا لقوات الدفاع الإسرائيلية، رغم علمها بأنها تستخدم لأغراض غير إنسانية وبقتل الأبرياء. وبالتالي تم رفع الدعوى ضد هذه الشركة على اعتبار أنها طرف مساهم بتنفيذ جرائم حرب. كما رفع والداي راشيل مجموعة من الدعاوي القضائية ضد دولة إسرائيل ووزارة دفاعها وقواتها العسكرية لإرتكاب جريمة القتل المتعمد ضد ابنتهما راشيل. وصرحت محامية والداي راشيل المكلفة من قبل المركز الأمريكي للحقوق الدستورية، وذلك بعد أن رفضت شركة كاترابيللا (Caterpillar) بمقابلة فريق من المحامين المكلفين من قبل المركز قائلة:

]بما أن المحاكم الأمريكية تستقبل الدعاوي الخاصة ضد المؤسسات التي تخالف البنود المتعلقة بحقوق الإنسان والمعاهدات والمواثيق الدولية التي تشجع على اقتراف جرائم حرب، وعليه فقد تم رفع دعوى قضائية ضد الشركة الأمريكية كاتربيللا (Caterpillar) ومطالبتها بدفع تعويضات مالية بسبب مساهمتها باقتراف جرائم حرب، منها جريمة القتل المتعمد ضد المواطنة الأمريكية راشيل كوري التي قُتلت بطريقة مهينة ووحشية وغير إنسانية. وبالتالي لابد أن تتحمل هذه الشركة المسئولية القانونية [.


المناصرة الدولية
وفي اليوم السنوي للتأثير العالمي، توجه والداي راشيل إلى المقر الرئيسي لشركة كاتربيللا (Caterpillar) لكنه تم إبعادهما بواسطة (17) سيارة أمن لمكافحة الشغب. كما تم تنظيم مظاهرة أمام الاجتماع السنوي لمساهمي الشركة بولاية شيكاغو، ورُفعت اللافتات التي تشجب وتندد قرارات الشركة التي تخالف بنود اتفاقية جنيف. وهناك مساعي لتنظيم أكثر من (40) مظاهرة سلمية أمام مقار الشركة بالولايات المتحدة الأمريكية فقط، بالإضافة الى تنظيم العديد غيرها في مختلف دول العالم والتي ستنظم من قِبل المنظمات الحقوقية تحت شعار (STOP CAT)، بهدف توصيل رسالة مباشرة لأعضاء مجلس إدارتها بأن الحراك الدولي حول هذه القضية والمطالبة بها لن يتوقف.

وفي المقابل، فقد تم إعداد عرض مسرحي لتعريف الناس بحقيقة جريمة مقتل راشيل كوري، والذي لاقى نجاح منقطع النظير في العاصمة البريطانية لندن وببعض العواصم الأوروبية. وهذا النجاح أثار حفيظة المجموعة اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تلتزم الصمت. فمن جهتها فقد قامت بشن هجوم شرس واستخدام كافة نفوذها لمحاولة منع من عرض تلك المسرحية في ولاية نيويورك الأمريكية وبداخل الولايات المتحدة الأمريكية مما تسبب في وقف عرضها لفترة طويلة.

وتخليدا لذكرى راشيل كوري فقد تم تأسيس جمعية خيرية في غزة التي حملت إسمها. كما قامت حركة غزة الحرة بتتغير اسم السفينة التي تمتلكها من إسمها الأصلي (كارستن) الى اسم: أم. في. راشيل كوري (MV Rachel Corrie). ولقد كانت سفينة راشيل من ضمن قافلة أسطول الحرية التي اتجهت في عام 2010 الى قطاع غزة بهدف كسر الحصار الإسرائيلي المفروض عنها حينذاك. وكانت تحمل مساعدات إنسانية من المواد الطبية ومواد البناء وعلى متنها 19 شخصا غالبيتهم متضامنون من أيرلندا وماليزيا و خمسة عشر من المعنيين بحقوق الإنسان من بينهم الإيرلندية ميريد كوريجان مجواير الفائزة بجائزة نوبل للسلام عام 1976. قبل أن تعترضها قوات الدفاع الإسرائيلية ومنعها من مواصلة رحلتها.

ختاما، وبرغم تجاهل الإعلام العربي لهذه الجريمة الشنعاء، فمن واجبنا نحن بأن نجتهد ونسعى لأجل إبقاء جريمة مقتل راشيل كوري حية وباقية في الأذهان. ببساطة لأن تفاصيل هذه الجريمة هي محط أنظار العالم، وتؤرق الحكومة الإسرائيلية والمجموعة اليهودية الأمريكية. ليس لسبب آخر سوى لأن الراحلة راشيل كوري كانت مواطنة أمريكية ولم تكن مجرد مواطن فلسطيني معدم.

رحم الله راشيل كوري وكل من جاهد واجتهد من أجل تحرير فلسطين واسترداد كرامة هذا الشعب الصامد والمناضل. بينما تجدنا نحن بقايا العرب، وبقايا المسلمين ، نقبع هنا وهناك نثرثر حتى الغثيان، بدون مواقف أو أفعال. وأضعف الإيمان بأن نقدم لحظة صمت نتأمل فيها تضحية راشيل الشابة وأمثالها من الأجانب الذين قدموا أرواحهم من أجل قضية ليست بقضيتهم، لإيفاء ولو قدر بسيط من حقهم ولو بالدعاء لهم.

حبيبة الهنائي

 تم نشر الموضوع بمنتدى الحارة العمانية بتاريخ: 31 ديسمبر 2009
الرابط للموضوع:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق