كم هو مؤسف أن تتكرر على مسامعي جملة مثل: “حظك ولدك ما عُماني!” في كل مرة يُذكر فيها ابني وجنسيته الألمانية! وما يزيد الأمر حزناً أن هذا التعليق لا يأتي من فئة عمرية أو طبقة اجتماعية معينة فحسب، بل يتكرر من عُمانيين من مختلف الأعمار والطبقات.
وهنا يبرز سؤال جوهري: ما الذي حدث لنا؟ وما أسباب هذا التغير السلبي في نظرة شريحة واسعة من مجتمعنا، بحيث أصبح الجواز العُماني يُنظر إليه على أنه أقل قيمة، وينظر البعض إلى استبداله بأي جواز آخر أفضل كخيار مقبول؟
في الحقيقة، لو كنت أعيش في دولة تُقدّر دور المجتمع المدني، لما ترددت في إجراء دراسة حول هذه القضية المقلقة للغاية، لفهم أبعادها وأسبابها العميقة.
في فترة الثمانينات، عندما كنت لا أزال طالبة في المرحلة الثانوية، كنت أقرأ هنا وهناك عن تذمر العديد من العرب، وبالتحديد من دول الشام ومصر وبقية دول شمال إفريقيا، من عدم تقدير حكومات تلك الدول للكفاءات الوطنية. هذا الإهمال دفع بالكثيرين، مع الأسف، إلى الهجرة إلى دول الغرب التي فتحت لهم الأبواب والآفاق لبناء الذات والمساهمة في تطوير العلم والعلوم، مما استفادت منه تلك الدول بشكل كبير. ومن الأمثلة البارزة على ذلك الدكتور فاروق الباز، وأحمد زويل، والجراح العالمي مجدي يعقوب، وغيرهم.
ودعونا نتساءل: ماذا كان أو سيكون مصير مثل هؤلاء العباقرة والنبغاء لو بقوا في دولهم العربية؟ هل كانت قدراتهم وإبداعاتهم ستُقدّر وتُوظف بالشكل الذي يستحقونه، أم أن مواهبهم كانت ستظل حبيسة الإهمال والتجاهل؟
أما بالنسبة لعُمان، ففي فترة السبعينيات والثمانينيات وحتى أوائل التسعينيات — وعلى حد علمي — لم تكن السلطات تسمح لمواطنيها بالهجرة أو بالتنازل عن الجواز العُماني. على سبيل المثال، اضطر العديد من الرياضيين إلى اللجوء إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لتحسين ظروفهم المعيشية آنذاك، كما واجه بعض العائدين من شرق أفريقيا صعوبة في إحضار بقية أفراد أسرهم للإقامة معهم في عُمان، أو لم يُسمح لهم بتحقيق طموحاتهم وأحلامهم بالاحتراف في الخارج، سواء كلاعبين أو إعلاميين أو في مجالات أخرى.
ربما تكون الشخصيات الإعلامية والرياضية هي الأكثر بروزا بعد اتخاذ قرارها بالهجرة أو بالتنازل عن الجواز العُماني، بينما هناك العديد من المهاجرين في مجالات أخرى مثل الأطباء والمهندسين والمعلمين والأكاديميين، حيث تكون الأسباب الاجتماعية والاقتصادية هي الدافع الرئيسي لأغلبيتهم عند اتخاذ قرارهم. وهناك أيضا من يسعى للهجرة بهدف تطوير الذات واكتساب الخبرات، وأخيرًا نجد قلة يهاجرون لأسباب سياسية أو حقوقية.
ومن الأمثلة على ذلك الإعلامي يعقوب السعدي، واللاعب حامد حمدان، والإعلامي والشاعر حميد البلوشي، والإعلامي محمد اليحيائي وزوجته الإعلامية رفيعة الطالعي، والشاعر عبدالله الريامي، والدكتور خالد العزري، وغيرهم.
لكن في اعتقادي، تبقى تجربة اللاعب علي الحبسي نموذجًا يستحق الوقوف عنده. فقد تابعت هذه التجربة عن كثب، وكانت مليئة بالصعوبات، حتى وإن بدا ظاهرها جميلاً وبراقاً. فقد تم إقصاء هذا الشاب في مقتبل عمره، وتعرض للإهمال والتهميش، رغم محاولاته استنجاد الشخصيات الرياضية البارزة آنذاك، لكنه لم يجد آذانًا صاغية. ومع ذلك، تجاوز التحديات وحده، وتمكن من بناء اسمه بنفسه، حتى سطع نجمه في سماء أوروبا. وما لبث أن ركض خلفه كل من خذله سابقًا، بل إن البعض حاول الاستفادة من نجاحاته الفردية، وعلى رأسهم الحكومة نفسها.
مهما اختلفت الدوافع، فإن محاولة العديد من الشبان العرب الحصول على جنسية بديلة، لحماية أنفسهم من بطش حكوماتهم، سواء من خلال الارتباط بالزواج من نساء من دول عظمى أو بطلب اللجوء إليها، تعتبر ظاهرة دخيلة على مجتمعنا. وأتمنى الوقوف عند هذه الظاهرة لما لها من تبعات قد تنعكس سلبًا على مستقبل البلاد وتزيد من حجم التحديات التي ستواجهها في المرحلة المقبلة.
وختامًا، أحببت أن أشارككم بعض التعليقات التي أسمعها بشكل متكرر من العُمانيين، علمًا بأن ما يُهمس به اليوم سيطفو غدًا للعلن:
-
قال لي أحدهم: “ابني لم يحصل على بعثة حكومية، وقد تحملت أكثر من 40 ألف ريال من أجل تعليمه العالي والتدريب في أرقى فنادق العالم كـ شيف في سنغافورة وأوروبا، وعندما عاد إلى عُمان حصل على وظيفة كطباخ في فندق حياة ريجنسي براتب 350 ريال. وكان ردي له: أرفض الوظيفة واجلس في البيت إلى أن تحصل على وظيفة تحترم كفاءاتك وخبرتك، ولو احتجت إلى 350 ريال، امسح حذائي يوميا وسوف أعطيك اياه. اليوم يعمل ابني رئيس قسم في أرقى فنادق أبوظبي، ويتنقل حول العالم، وحصل على منزل وسيارة، ولا يريد العودة للعمل في عُمان.”
-
قالت لي إحدى العائدات: “أحمل شهادة الدكتوراه وكسبت خبرة واسعة من خلال عملي في مؤسسة دولية بالخارج، وبمجرد عودتي إلى عُمان عوملت وكأنني خريجة جديدة، فعدت أدراجي ورحلت.”
-
قال أحدهم لإبنه: “اذهب وصلِ ركعتين، لأنك لا تحمل الجواز العُماني، فبمجرد حصولك عليه سوف تحال للتقاعد.”
