نقوشٌ على جدار واسعٍ

الجمعة، 10 يناير 2014

محللات كرة القدم



الوقت هو نهاية شهر نوفمبر من عام 2008 حيث كانت السلطنة تترقب خلال الاسابيع الاولى من شهر يناير 2009 لاستضافة دورة كأس الخليج (19) لكرة القدم والألعاب المصاحبة (الطائرة والسلة واليد). كنت في ذلك الوقت لا أزال أعتلي منصب النائبة لرئيس الاتحاد العُماني للكرة الطائرة وعضو في لجنة رياضة المرأة باللجنة الأولمبية العُمانية. كنت منذ فترة ليست بعيدة أخطط لتنفيذ فكرة جديدة لمبادرة جريئة كانت تدور في ذهني منذ مدة وبلا أدنى شك سوف تواجه هجوما شرسا مثل العديد من مبادراتي السابقة على اعتبارها خطوة مجنونة .

بما أني من هواة كسر التابوهات التي تكبل المرأة وتعيق تقدمها في الساحة الرياضية، فقد كانت المبادرة عبارة عن اشهار فريق نسوي لمحللات لعبة كرة القدم وذلك كخطوة أولى ومن ثم تدريجيا الانتقال الى الالعاب الاخرى. 

قررت البدء باللعبة الاصعب وهي لعبة كرة القدم وذلك تزامنا مع اقتراب موعد اقامة بطولة خليجي 19 في مسقط حيث رأيت أنها ستكون فرصتي الذهبية التي لن تتكرر إلا كل ستة عشرة عاما لتدشين مبادرتي المجنونة تلك واستغلال الزخم الاعلامي العربي والخليجي الذي سيتواجد في السلطنة خلال هذه الفترة، كما لم أستبعد احتمالية أن يكون الحدث صادم للمجتمع المحلي والخليجي بشكل كبير.

بعد الانتهاء من جمع الخيوط لتنفيذ خطتي، دخلت في مرحلة البحث عن الفتيات المرشحات للتحليل. تواصلت مع هبة الناعبية كابتن فريق الفتيات لكرة القدم وعرضت عليها الفكرة التي رحبت بها بشدة. كما كنت قد التقيت في وقت سابق في المجمع الرياضي في صحار مع رباب اليحيائية التي باحت لي عن همومها الرياضية كلاعبة لكرة القدم ثم أبلغتني أنها كانت تحلل المباريات في المنتديات الرياضية مثل منتدى كوورة عٌمانية تحت اسم مستعار لذكر. أما عزيزة العذوبية فكانت زميلة عمل وكنت قد نسقت معها منذ وقت سابق لإجراء عدة اتصالات هاتفية وهي عبارة عن مداخلات في البرنامج الاذاعي الدوريات العالمية بإذاعة الوصال مع الكابتن أحمد البلوشي كما أن عزيزة هي من عرفتني بـ رميثة البوسعيدية وهي شابة طموحة تمتلك ثقافة كروية عالية وكانت متحمسة بشدة في خوض تلك التجربة .


وبعد اكتمال العدد المطلوب للفتيات اللاتي كنت أبحث عنهن بشكل مبدئي. قمت بالاتصال بالاعلامي الرياضي يونس الفهدي، مقدم البرنامج الرياضي الاذاعي الدوريات العالمية في إذاعة الوصال، وعرضت عليه فكرة استضافة هؤلاء الفتيات في حلقة كاملة من برنامجه. ولدهشتي الشديدة وبدون أي تردد رحب يونس الفهدي مباشرة بفكرة الاستضافة! 

وجاء الموعد المحدد لبث الحلقة الجريئة على الهواء مباشرة وهو الاثنين تاريخ 17 نوفمبر 2008 حيث  بثت الحلقة مباشرة وبدون اعلان مسبق! لقد تفاجأ المستمعون بإستضافة أربعة فتيات دفعة واحدة في البرنامج وكانت الصدمة مع عدم حضور الكابتن أحمد البلوشي لأسباب غير معلومة!

اشتعلت المنتديات الرياضية بخبر استضافة فتيات على الهواء وهن يقمن بتحليل مباريات الدوريات العالمية. مثلا هناك من كتب: "شباب بسرعة فتحوا اذاعة الوصال الحين الحين وسمعوا أوين بنات يحللن مباريات كرة القدم !!" وهناك من أشاد بهن وهناك من أصيب بالصدمة أو المستنفر والرافض، لكن الأغلبية كان يسخر من هؤلاء الفتيات والتطاول عليهن خصوصا من اللكنة المحلية لاحدى الفتيات والسواحلية للأخرى هذا بدون التركيز على الاداء ومدى ثقافتهن الرياضية ثم بدءوا بتوجيه سيل من النقد والتهم للاتحاد العُماني لكرة القدم معتقدين أن الاتحاد هو وراء تلك المبادرة كون أن المالك لإذاعة الوصال هو السيد خالد بن حمد رئيس الاتحاد العُماني لكرة القدم آنذاك.


انتقلت تجربة المحللات العُمانيات الى حديث الشارع الرياضي وشغله الشاغل خصوصا عندما قامت بعض الصحف المحلية بتغطية الخبر ووصفهن بـ "المحللات" مما أثار سخط العديد من مدربي ومحللي كرة القدم الرجال المعروفين ]لن اذكر أسماءهم[ وذلك عندما قام بعضهم بالتواصل معي معبرين عن استياءهم بهذه المبادرة واستنكارهم التام حول وصف الفتيات بـ [المحللات] على إعتبار أنهن مجرد هاويات لا خبرة ولا دراية بهذه اللعبة الذكورية. 

وبكل تأكيد أي ردة فعل عنيف في المجتمع سوف يساهم بإنتشار الخبر عن الفتيات المحللات للعبة كرة القدم كالنار في الهشيم. تداولت الأخبار حتى وصلت الى قناة (MBC) من خلال برنامجها الرياضي (صدى الملاعب) وطلب الاعلامي مصطفى الآغا شخصيا بتسجيل تحقيق كامل عن هؤلاء الفتيات وهن يحللن المباريات في الاستوديو؛ وعليه تم تسجيل حلقة أخرى جديدة من برنامج الدوريات العالمية وهذه المرة بإستضافة من برنامج صدى الملاعب وقمت بنشر اعلان خاص في المنتديات الرياضية عن هذا اليوم وهذا نصه:

"ستقوم اليوم الإثنين قناة mbc بعمل تغطية خاصة عن المحللات الشابات عبر أثير إذاعة الوصال في برنامجها المعروف "الدوريات العالمية" في الساعة الثامنة مساءا بتوقيت السلطنة. وتأتي هذه التغطية بطلب خاص من المذيع المتألق مصطفى الأغا من خلال برنامجه المعروف صدى الملاعب"


كما تواصل معي الاعلامي والمعلق الرياضي حسن الهاشمي من قناة الجزيرة الرياضية وأيضا طلب تصويرنا لعمل تقرير خاص للجزيرة الرياضية قبل انطلاقة خليجي 19 وفعلا تم التسجيل وعُرض التقرير. وفي الجانب الآخر انطلقت حملات التشهير بالفتيات في المنتديات الرياضية المحلية ومن ثم انتقلت الى المنتديات الخليجية، حيث تم قذف الفتيات بكلام بذيء مما دفعني بالتدخل ومحاولة الدفاع عنهن. وأصبحت أتابع هذه المنتديات لساعات طويلة للرد على الكتابات المسيئة والتي كانت تتنمر عليهن من خلال استفزازهم ومحاولة توجيه النقد إلى شخصي خشية من ردة فعل أسر هؤلاء الفتيات بما سيقرأونه وهذا جزء مما كتبته :

" اقتباس:  
   
أشكر الإخوة الزملاء على عرض موضوع المحللات العمانيات وأشكر هنا الجميع ..المؤيدون والمعارضون طالما ان النقاش لا يتجاوز الخط الأحمر !!! الإحترام ثم الإحترام ثم الإحترام لأخواتكم العمانيات !!

إذا كنتم قد تابعتم جريدة الشبيبة و الوطن بالأمس لعلمتم بأنني أنا المسئولة عن تقديم هؤلاء الشابات لقناة الوصال وأن الإتحاد العماني لكرة القدم لا علم به بهذا الأمر بتاتا وأنا من قامت بالاتصال بالزميل يونس الفهدي و عرضت عليه الفكرة و رحب بها مباشرة!! إذن فإذا كان هناك من يعارض هذا التوجه فأرجو إلقاء اللوم على شخصي وليس لأحد آخر!!

و سأعيد بما صرحت به لوسائل الإعلام أن هؤلاء الشابات واللاتي أقدم لهن كل تحية و تقدير على جرأتهن و شجاعتهن بالموافقة على الإقدام بتنفيذ فكرة قد يراها البعض منكم أنها مجنونه بأنهن هاويات ولسن محللات محترفات ويحتجن الى الكثير من الدعم والتدريب والخبرة ليصبحن محللات محترفات. وللعلم أن هؤلاء الشابات هن على درجة عالية من الثقافة والعلم ومن أسر محترمة ولن نسمح أبدا بالتشهير أو الإساءة بهن فأتقوا الله.

سلطنة عمان هي أول دولة عربية قدمت أربع وزيرات دفعة واحدة وهي أول دولة خليجية عملت فيها المرأة في السلك العسكري و قيادة الطائرات و...و... !!! وأنت تعارض من أجل تحليل مباراة في الكرة القدم !!! "

انتهى


جاء موعد خليجي 19 وقامت قناة الجزيرة الرياضية بإستضافتي مع هبة الناعبية وتم خلال البرنامج بث تقرير آخر عن الفتيات. وخلال فترة البطولة كانت هبة ضيفة دائمة في البرنامج الرياضي (نبض الخليج) في القناة الرسمية لتلفزيون عُمان الذي كان من تقديم ابتهال الزدجالي و يونس الفهدي. 

كما التقيت خلال خليجي 19 مع وكيل وزارة الاعلام السابق وعرضت عليه فكرة تبنّى هؤلاء الفتيات في الاذاعة والتلفزيون وابدى ترحيبه بذلك. وفور الانتهاء من خليجي 19 استقلت من الساحة الرياضية وللأسف تم تجاهل هؤلاء الفتيات رغم محاولاتي اليائسة باقناع اتحاد كرة القدم بتبنيهن ورعايتهن.


 لكن الارادة والطموح الذي تملك هؤلاء الفتيات كانت أقوى بحيث لم يعرفن اليأس فقد نجحت رباب اليحيائية مع اصرارها الدؤوب وصبرها الكبير بأن تنجح في تقديم برنامج رياضي إذاعي مشترك مع زميل لها ولاحقا انتقلت الى التلفزيون وهي تعمل اليوم في القناة الرياضية الجديدة بتلفزيون سلطنة عٌمان. 

أما رميثة البوسعيدية فقد وجدت نفسها أكثر في الاذاعة الاجنبية نظرا لإتقانها اللغة الانجليزية ولقد واجهت رميثة الكثير من التحديات وصمدت حتى أصبحت اليوم مقدمة برامج ناجحة ومرموقة في إذاعة (المارج أف أم) وهي النسخة الاجنبية لإذاعة الوصال. وأما بالنسبة للكابتن هبة الناعبية فهي طالبة ماجستير تخصص علوم الكمبيوتر وهي متعاونة مع الاتحاد العماني لكرة القدم وذلك على حسب ظروفها الدراسية. أما عزيزة العذوبية فقد عادت الى ممارسة هوايتها التصوير الضوئي وتركت هذه التجربة المريرة والجريئة وراء ظهرها.


أتمنى من كل فتاة أن تسعى لتحقيق أحلامها وأن لا تتراجع مهما واجهت من صعوبات وتحديات فما أحلى أن يعمل الانسان فيما يحب ..


عام جديد سعيد لكم .



كاريكاتير نشر في احدى المواقع الخليجية عن محللات كرة القدم العُمانيات




الروابط الخارجية:

موقع سبلة عمان الرياضية


منتديات أضواء الكويت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق