لقد قمتُ صباح اليوم بطرح موضوعٍ يتعلق بحرمان ابني حافظ من حقه في التنافس على منحة دراسية خارج السلطنة، وذلك لكونه لا يحمل الجنسية العُمانية. وقد جاء طرحي للموضوع بشكلٍ عفوي، فور تلقيي مكالمة هاتفية من مركز القبول الموحد بوزارة التعليم العالي.
وأودّ أن أوضّح هنا أن قرار الرفض لم يصدر عن مركز القبول الموحد، ولا عن وزارة الداخلية – وهي الجهة التي خاطبت وزارة التعليم العالي في هذا الشأن – وإنما تعود الإشكالية إلى التشريعات والقوانين الصادرة عن مجلس الوزراء والمُنظِّمة لهذه المسائل.
وقد حاولتُ قدر استطاعتي تمالك نفسي والامتناع عن الكتابة في لحظة الانفعال والغضب، إذ إن الأمر يمسّ مستقبل وحيدي، وهو ما يجعل الموقف بالغ الحساسية بالنسبة لي.
البعضُ منا يمتلك قدرةً هائلة على التعايش مع الظلم والإقصاء والتهميش، فيما يضطر البعض الآخر إلى ترويض ذاته لأنه لا يملك خياراتٍ أخرى بديلة. لكنَّ الأمر يختلف تمامًا عندما يمسُّ أبناءنا، فهناك تتلاشى قدرتنا على الاحتمال.
كيف لي، كأم، أن أواجه عينيّ وحيدي المنكسرتين بعدما بذل جهدًا مضنيًا ليحصل على نتيجةٍ مشرفةٍ تؤهله لنيل منحةٍ دراسيةٍ في الخارج؟
وكيف له، وهو الطالب المتفوق والأول في صفه، أن يتعامل مع أحاديث زملائه اليومية حول التخصصات التي يحلمون بدراستها والدول التي سيغادرون إليها، بينما هو مضطرٌّ إلى التزام الصمت، لأنه لا يستطيع البوح لهم بأنه لا يحق له التنافس… فقط لأنه لا يُعدّ “عُمانيا”؟
كان وقع الخبر صادمًا ومؤلمًا بالنسبة لي كأم.
فأنا وابني حافظ خضنا معًا ظروفًا قاهرة وصعبة إلى حدٍّ لا يمكن وصفه، والحديث عنها الآن ليس في موضعه ولا جدوى منه. لذلك كان تفوقه الدراسي هو حلمنا المشترك، وإنجازنا المشترك، وفرحتنا الوحيدة التي كنا نعيشها لحظةً بلحظة.
لم أتردد يومًا، ولم أشعر بالندم حين قررت بيع قطعة الأرض النائية التي حصلت عليها من القرعة النسوية في عهد الوزير السابق خميس العلوي. قطعة لم أرَ فيها أملًا للحياة — لا للنبات، ولا للحيوان، ولا للإنسان — لا في الماضي، ولا في الحاضر، ولا حتى في المستقبل البعيد.
بعتها ببضعة آلاف من الريالات لا تكاد تساوي أصابع اليد الواحدة، ومع ذلك لم أندم؛ لأنها كانت كفيلة بتغطية مصاريف سنتين متتاليتين من دراسة حافظ في مدرسته الخاصة.
لم أبكِ على الأرض التي بعتها، بل بكيت على رسومها — تلك الـ (641) ريالًا — التي دفعتها لخزينة وزارة الإسكان عند نقل ملكيتها إليّ، أكثر مما بكيت لحظة بيعها.
للعِلم، فإن الرسوم الجامعية في أفضل الجامعات الألمانية لا تتجاوز خمسين ريالًا فقط للفصل الواحد، وهو مبلغ ضئيل جدًا ومقدور عليه. فما بالكم بمواطنٍ ألماني يعيش في دولةٍ تعاني من الشيخوخة وتبحث عن الشباب؟ ناهيكم عن أن يكون هذا الشاب متفوقًا دراسيًا! بطبيعة الحال، سيحظى بكل رعايةٍ واهتمام.
إذن، فالقضية ليست في غياب الفرص أمام حافظ لمواصلة دراسته الجامعية؛ فالفرص متاحة أمامه وبدرجة كبيرة.
لكنّ السؤال الذي قد يطرحه البعض هو: لماذا شعرتُ بكل هذا الألم والخذلان فور تلقي خبر إقصاء ابني من حقه في التنافس على منحة دراسية؟
القضية — في جوهرها — ليست مادية، بل تتعلق برغبتي العميقة في أن يشعر ابني بالانتماء، وأن يحظى باعتراف بلده عُمان به كمواطن. كانت تلك المنحة هي الشيء الوحيد الذي ينتظره حافظ من وطنه، بشوقٍ بالغٍ وفارغِ الصبر. كان يسعى بكل جهده ليكون جديرًا بها، لأنها كانت ستربطه بعُمان في أجمل سنوات عمره، وتجعله يشعر أن وطنه يقدّره ويؤمن بقدراته.
ومهما أنجز لاحقًا، وأينما درس أو عمل، كان سيحمل في قلبه امتنانًا لا يزول لعُمان، لأنها كانت سببًا في تعليمه الجامعي.
لكن للأسف… تم نزع هذا الحق منه.
ختامًا، تنتهي إقامة ابني حافظ في الأول من يونيو 2016، وهو التاريخ الذي سيُكمل فيه سن الرشد (18 عامًا)، وهو أيضًا موعد ترحيله… موعد نُزعه من وطنه عُمان، الذي لم يعرف سواه وطنًا ولا أرضًا. حينها لن يُسمح له بدخوله إلا بتأشيرة سياحية.
وللمفارقة المؤلمة، فإن هذا الموعد سيصادف قبل انتهاء اختباراته النهائية للفصل الدراسي الثاني.
لقد تقدّمتُ بطلبٍ لتمديد إقامته لثلاثة أسابيع إضافية فقط — واحدٍ وعشرين يومًا — حتى يتمكّن من إكمال اختباراته بهدوء، وبعدها سنعجِّل بلملمة جراحنا وخيباتنا وحقائبنا… ونرحل.
ولأول مرة، سنرحل هذه المرة بصمتٍ تام، بلا ضجيج، خشية أن تجبرنا الأقدار على ألّا نعود.
شكرًا لكل من تضامن،
وشكرًا لكل من سعى.
12 إبريل 2016
اعانك الله يا ام حافظ
ردحذفمتى يتعقل اصحاب القرار ويكسبوا مواطن متفوق وصالح
مرحبا، كنت السنة الماضية أتعلّم اللغة الألمانية في معهد غوته وكان حافظ زميلي. أود فقط أن أقول إنّه تلميذ متفوّق، وصالح، وكان لي الشرف أن أتعرف عليه. الله يحفظلك ابنك وأنا متأكدة إنه رح يحصد الكثير من النجاح لأنه ذكي وبيحب العلم!
ردحذف