نقوشٌ على جدار واسعٍ

الجمعة، 5 يونيو 2015

منظمات دولية رسمية بأقنعة أهلية




لقد كتبت في مقال سابق عن المنظمات الدولية غير الربحية التي تُدار من قبل الحكومات، وقدمت الأمم المتحدة نموذجًا لمثل هذه المنظمات والاتحادات الدولية التي تعمل في شتى المجالات. ومن خلال عملي السابق في المجال الرياضي، أدركت مبكرًا أنه من المستحيل فصل الرياضة عن السياسة، كما ينص عليه الميثاق الأولمبي الخاص باللجنة الأولمبية الدولية، طالما أن هذه المؤسسات التي تُدَّعى بأنها أهلية وغير ربحية تقبع تحت قبضة الشيوخ والأمراء والرأسماليين والشخصيات النافذة والقريبة من الحكومات.

لذلك، لم أندهش فحسب بل شعرت بالدهشة مما حدث مؤخرًا في الفيفا، وإعلان رئيسه جوزيف بلاتر عن استقالته الإلزامية، بعد أيام قليلة من احتفاله بفوزه بالرئاسة في دورته الخامسة على التوالي، رغم مرور سبعة عشر عامًا متتالية على رئاسته للفيفا. وهذه الاستقالة تقودنا إلى استنتاج أن بلاتر لم يكن سيتخذ هذا القرار لولا الضغوط الكبيرة التي تعرض لها من منافسين أشداء، ومن جهات قوية تشمل المخابرات الأمريكية والاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لأن الكل كان يعلم بالفساد المستشري في هذه المنظمات، ويدرك استحالة الإطاحة برؤسائها إلا عبر قوى نافذة.

تأسس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في 21 مايو 1904 في باريس، وتم تسجيله في مدينة زيورخ السويسرية كمؤسسة أهلية غير ربحية، حيث يقع مقره حتى اليوم. ويعد الفيفا الهيئة المنظمة للعبة كرة القدم عالميًا، ويضم في عضويته 209 اتحادات وطنية لكرة القدم منتشرة حول العالم. وترأس السويسري جوزيف بلاتر الفيفا لمدة سبعة عشر عامًا، ويُزعم أن قبضته على المنظمة استمرت لأكثر من أربعين عامًا منذ انضمامه للفيفا عام 1975 كمدير لبرامج التطوير، ثم أمينًا عامًا عام 1981، ومن ثم المدير التنفيذي عام 1990، قبل أن يصبح الرئيس الثامن للفيفا منذ عام 1998 حتى إعلان استقالته في 2 يونيو 2015، ولا يزال المنصب شاغرًا لحين انتخاب رئيس جديد.

تملك الفيفا موازنات ضخمة أحيانًا تضاهي موازنات بعض الدول، وتُدار من قبل لوبيات تجمعها مصالح مشتركة. ويحظى رئيس الفيفا بمكانة دولية رفيعة، وأحيانًا يُستقبل كأحد زعماء العالم. وقام بلاتر خلال رئاسته بزيارة العديد من الدول، منها تلك التي تواجه صراعات مسلحة منذ عقود، مثل إسرائيل وفلسطين. لذا ليس من المستغرب أن تتكشف يوميًا فضائح الرشاوى التي تلقاها أعضاء الفيفا البارزون من حكومات مختلفة للحصول على شرف استضافة البطولات الدولية، مثل استضافة جنوب أفريقيا لكأس العالم 2010، وملفات فوز روسيا وقطر للبطولات المقبلة في 2018 و2022، إضافة إلى اتهامات برشوة اتحاد القدم الإيرلندي بمبلغ خمسة ملايين دولار لمنع رفع دعوى قضائية ضدها بسبب مباراتها مع فرنسا.

ومؤخرًا، طُرحت احتمالات تغيير اسم الفيفا وشعاره الذي صمد لمدة 111 عامًا، بعد اهتزاز مكانته وفقدان ثقة الشركات الراعية، التي كانت تمتلك نحو 3.2 مليار دولار على شكل إعلانات ورعايات، وانسحبت العديد منها بعد إعلان استقالة بلاتر. وهذه الحالة ليست استثنائية، بل تشمل جميع المنظمات الرياضية الدولية، وعلى رأسها اللجنة الأولمبية الدولية، واتحاد ألعاب القوى والطائرة وغيرها. والسؤال المطروح: هل ستهب رياح التغيير في جميع هذه المؤسسات الرسمية التي ترتدي الأقنعة وتدعي بأنها أهلية وغير ربحية؟ الحقيقة أننا نأمل ذلك.


الروابط الخارجية:

أزمة الفساد في الفيفا: رئيس جنوب افريقيا السابق "ضالع في دفع 10 ملايين دولار"





الخميس، 4 يونيو 2015

مكتبات وكتب في مراكزنا الصحية



كنت في عجلة من أمري عندما خرجت من البيت متجهة الى عيادة القوات المسلحة في منطقة الرسيل عندما تذكرت كتابي الذي نسيته على الطاولة وبدأت اتحسر طوال الطريق كيف سأقضي فترة الانتظار هناك وقد كانت فرصة ذهبية لإنهاء فصول عديدة من ذلك الكتاب الذي لا أجد وقتا لقرائته. 

فور وصولي الى المركز البهيج بمبناه الفخم أخذت دوري في طابور الانتظار ثم توجهت الى موظفة الاستقبال لاستفسار فيما لو كان هناك ركن للكتب أو مكتبة بداخل المركز؛ حتى ولو احتوى على نشرات صحية مثل التي ألمحها أحيانا في بعض المراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة، لكي أقتل بها الوقت في قراءتها. فأجابتني الموظفة ضاحكة: بعدنا ما تطورنا لكي نصل الى مستوى تخصيص مكتبة. وأكملت: اذا كان ذلك الركن هناك لبيع الوجبات الخفيفة قد حصلنا على الموافقة منذ فترة وجيزة فقط؛ لهذا لا أظن بأن فكرة المكتبة ستحصل على الموافقة خلال الفترة القريبة القادمة .. ثم فتحت درج مكتبها ومدت بيدها وأعطتني كتيب صغير جدا وقالت:سأعيرك كتيب الأدعية هذا اقرئيها حتى يأتي دورك لزيارة الطبيب. توجهت الى ركن الوجبات الخفيفة وسألته فيما لو كان يبيع جريدة فأجابني بالنفي لكنه أكد لي بأنه يبيع بطاقات إعادة الشحن للهاتف! توجهت نحو صالة الانتظار للنساء وفردت قدمي فوق مقعد الانتظار الخشبي ورفعت رأسي أتأمل شاشة التلفزيون التي تعرض قناة عُمان مسلسل بدوي صامت. وحاولت قراءة الشفاه لأبطال المسلسل، فليس هناك أسوأ من لحظة الانتظار لمعرفة نتيجة فحص ما بدون أن تجد ما يرفه عنك .

لقد تابعنا خلال السنوات القليلة الماضية حراك ثقافي تطوعي جميل مثل مبادرة "كلمتين رآس" التي قام مؤسسيها بتوزيع الكتب في المقاهي المنتشرة في مسقط وهي بادرة رائعة تشكر القائمين عليها. لكن لو تمعنا في نوع الشريحة من مرتادي المقاهي الباهضة الثمن المنتشرة في جميع أنحاء مسقط، فسوف نجد بأن غالبيتهم هم من النخبة المثقفة أو من طلبة الجامعات لأجل إعداد بحوثهم الدراسية أو من رجال الأعمال لمناقشة تجارتهم ومشاريعهم أو من الأجانب أو من الأسر المقتدرة. وبالتالي فمثل هؤلاء ليسوا بحاجة الى توعية بأهمية القراءة، بينما من المفترض أن تكون الفئة المستهدفة هم من مراجعي المراكز الصحية الحكومية والعسكرية التي يرتادها الطبقة الكادحة والفقيرة من المواطنين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف العيادات والمستشفيات الخاصة فما بالك بشراء كتاب! وجل ما يقلق يومهم هو توفير لقمة العيش وبالتالي فإن هذه الفئة هي التي بأمس الحاجة لمثل هذه المبادرات القرائية واستغلال فترة الانتظار لأجل تشجيعهم على القراءة والتوعية.

بإمكان اطلاق هذه المبادرة بفكرة بسيطة وهو تخصيص في كل مركز صحي مكتبة ذات أرفف خالية ويوضع عليها إعلان بسيط مثلا "تبرع بكتاب لأجل تدوير المعلومة" أو "اترك كتابا في المشفى" "Book Hospital" .  وبإمكان سكان تلك المنطقة التبرع بالكتب التي لا يحتاجونها أو يرغبون بمشاركتها مع الآخرين. وأيضا مخاطبة المكتبات والجهات الخاصة والرسمية التي توفر الكتب لضمها في أرفف المكتبة. أما في المستشفيات المركزية فأتمنى أن يتم تخصيص مساحة كافية لمكتبة حقيقية وصالة الانترنت بسبب وجود مرضى من المراجعين والمرقدين والزوار،  وبإمكان تخصيص هذه المساحة بتنظيم أنشطة توعوية عديدة مثلا تحديد ساعات محددة لزيارة المثقفين الصحيين لأجل مقابلة المراجعين وتوجيههم والرد على استفساراتهم العامة عن الأمراض والتغذية وكيفية رعاية المرضى وبالإمكان التعاون مع الجمعيات المعنية مثل جمعية السرطان والمعوقين والتوحد وأصدقاء المسنين الخ لأجل الحضور والمشاركة. وأتمنى أن أسمع يوما قصة مثلما حكاه لي أخي عندما كان يدرس في بريطانيا أن ابنته الصغيرة بعدما انتهت من علاجها في المستشفى هناك عادت الى البيت وهي باكية وظلت تبكي يوميا وتطالب بإعادتها الى المستشفى لإعتقادها بأن المستشفى هو مكان مخصص للعب والمرح والفرح للأطفال.