لقد كتبت في مقال سابق عن المنظمات الدولية غير الربحية التي تُدار من قبل الحكومات، وقدمت الأمم المتحدة نموذجًا لمثل هذه المنظمات والاتحادات الدولية التي تعمل في شتى المجالات. ومن خلال عملي السابق في المجال الرياضي، أدركت مبكرًا أنه من المستحيل فصل الرياضة عن السياسة، كما ينص عليه الميثاق الأولمبي الخاص باللجنة الأولمبية الدولية، طالما أن هذه المؤسسات التي تُدَّعى بأنها أهلية وغير ربحية تقبع تحت قبضة الشيوخ والأمراء والرأسماليين والشخصيات النافذة والقريبة من الحكومات.
لذلك، لم أندهش فحسب بل شعرت بالدهشة مما حدث مؤخرًا في الفيفا، وإعلان رئيسه جوزيف بلاتر عن استقالته الإلزامية، بعد أيام قليلة من احتفاله بفوزه بالرئاسة في دورته الخامسة على التوالي، رغم مرور سبعة عشر عامًا متتالية على رئاسته للفيفا. وهذه الاستقالة تقودنا إلى استنتاج أن بلاتر لم يكن سيتخذ هذا القرار لولا الضغوط الكبيرة التي تعرض لها من منافسين أشداء، ومن جهات قوية تشمل المخابرات الأمريكية والاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لأن الكل كان يعلم بالفساد المستشري في هذه المنظمات، ويدرك استحالة الإطاحة برؤسائها إلا عبر قوى نافذة.
تأسس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في 21 مايو 1904 في باريس، وتم تسجيله في مدينة زيورخ السويسرية كمؤسسة أهلية غير ربحية، حيث يقع مقره حتى اليوم. ويعد الفيفا الهيئة المنظمة للعبة كرة القدم عالميًا، ويضم في عضويته 209 اتحادات وطنية لكرة القدم منتشرة حول العالم. وترأس السويسري جوزيف بلاتر الفيفا لمدة سبعة عشر عامًا، ويُزعم أن قبضته على المنظمة استمرت لأكثر من أربعين عامًا منذ انضمامه للفيفا عام 1975 كمدير لبرامج التطوير، ثم أمينًا عامًا عام 1981، ومن ثم المدير التنفيذي عام 1990، قبل أن يصبح الرئيس الثامن للفيفا منذ عام 1998 حتى إعلان استقالته في 2 يونيو 2015، ولا يزال المنصب شاغرًا لحين انتخاب رئيس جديد.
تملك الفيفا موازنات ضخمة أحيانًا تضاهي موازنات بعض الدول، وتُدار من قبل لوبيات تجمعها مصالح مشتركة. ويحظى رئيس الفيفا بمكانة دولية رفيعة، وأحيانًا يُستقبل كأحد زعماء العالم. وقام بلاتر خلال رئاسته بزيارة العديد من الدول، منها تلك التي تواجه صراعات مسلحة منذ عقود، مثل إسرائيل وفلسطين. لذا ليس من المستغرب أن تتكشف يوميًا فضائح الرشاوى التي تلقاها أعضاء الفيفا البارزون من حكومات مختلفة للحصول على شرف استضافة البطولات الدولية، مثل استضافة جنوب أفريقيا لكأس العالم 2010، وملفات فوز روسيا وقطر للبطولات المقبلة في 2018 و2022، إضافة إلى اتهامات برشوة اتحاد القدم الإيرلندي بمبلغ خمسة ملايين دولار لمنع رفع دعوى قضائية ضدها بسبب مباراتها مع فرنسا.
ومؤخرًا، طُرحت احتمالات تغيير اسم الفيفا وشعاره الذي صمد لمدة 111 عامًا، بعد اهتزاز مكانته وفقدان ثقة الشركات الراعية، التي كانت تمتلك نحو 3.2 مليار دولار على شكل إعلانات ورعايات، وانسحبت العديد منها بعد إعلان استقالة بلاتر. وهذه الحالة ليست استثنائية، بل تشمل جميع المنظمات الرياضية الدولية، وعلى رأسها اللجنة الأولمبية الدولية، واتحاد ألعاب القوى والطائرة وغيرها. والسؤال المطروح: هل ستهب رياح التغيير في جميع هذه المؤسسات الرسمية التي ترتدي الأقنعة وتدعي بأنها أهلية وغير ربحية؟ الحقيقة أننا نأمل ذلك.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق